محمد علي فرحات

أصرت شيماء الصبّاغ وناشطون آخرون على التظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير، مع علمهم بغلبة حضور «الإخوان» المطالبين بعودة محمد مرسي والرافضين شرعية الحكم القائم. لكن التظاهرات حملت تنازلاً متبادلاً بين «الإخوان» الذين تخلوا هذه المرة عن الشعارات الدينية الفجّة محتفظين فقط بشعار «رابعة»، فيما تجسّد تنازل التيار المدني بقبوله التظاهر بعدما كان مستنكفاً لئلا يبدو ملحقاً بـ «الإخوان» الذين لا يعرف إلى أين يريدون أخذه وأخذ مصر.

&

هكذا يبدو التيار المدني الثائر غارقاً في رومانسية أنسته حتى نفسه، فهذا التيار هو حقاً المطلق الرئيسي لثورة 25 يناير التي أذهلت العالم بسلميتها وبتنظيمها المحكم والحرّ في آن واحد، وبانفتاحها الاجتماعي، حتى دخل عليها «الإخوان» فأدخلوها في أنفاق وأسرار وعنف مستتر ومعلن، ووصل بهم الأمر إلى ترشيح اثنين من قيادييهم إلى الرئاسة بعدما وعدوا بعدم الترشح، حتى إذا فاز محمد مرسي استأثروا بالحكم وضربوا شباب الثورة بعنف إلى أن أقصتهم تظاهرات مليونية في 30 يونيو ومهّدت لتولي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

&

يتجاهل «الإخوان» قوة التيار المدني العريقة على رغم معرفتهم إياها جيداً منذ أربعينات القرن الماضي، لكن الأدهى أن التيار يجهل نفسه فيلجأ إلى الرومانسية وإلى إحساس بالهامشية يسم المثقف الرافض والداعي إلى ما يشبه ثورة دائمة مكانها الكتب لا الواقع.

&

شيماء الصبّاغ قُتلت بتجهيل الفاعل لأنها ورفاقها ارتضوا الهامشية، فلا يستطيع المحايد تقدير جهة القتل، أهي «الإخوان» الذين لا يطيقون شريكاً يملك شرعية وطنية واجتماعية لا يملكونها، أم بقايا عنف النظام المباركي الذي طالما اعتبر تظاهرات الشباب كابوساً وأراد إزاحته بأي ثمن؟

&

الواقع أن التيار المدني في مصر هو القوة الاجتماعية الكبرى، وقوامها، منذ ما قبل ثورة 23 تموز (يوليو) 1952: الرأسمالية المستثمرة، التجار، الأقباط، الطبقة الوسطى، خريجو الجامعات والمعاهد العليا، المتمصّرون، الصحافة، طبقات الموظفين، وجهاء الأرياف وأحياء المدن. وهذا التيار الذي شكل قاعدة الأحزاب الوطنية وأفشل جهود الأحزاب الفاشية والدينية (كالحزب الوطني و «الإخوان» و «مصر الفتاة») أدخلته ثورة 1952 في العتمة، بمعنى أنها لم تترك له رمزاً يعبّر عنه، في حين أخلت المنابر لـ «الإخوان» حتى أثناء صدامها معهم. وهنا نذكر أن كتاب سيد قطب «معالم في الطريق» الذي ألّفه في السجن صدر عن قطاع النشر العام الذي تموّله دولة ثورة تموز، على رغم تضمّنه الأفكار التأسيسية للعنف الإسلامي المتطرف وتكفير المجتمع باعتباره «جاهلياً».

&

لم يمت التيار المدني المصري فهو يشكّل قوام الحراك الحي للمجتمع، على رغم تعذّر وجود رموز تعبّر عنه، بحكم اللعبة الثنائية بين الجيش و «الإخوان» التي حكمت الحياة السياسية المصرية في مراحل الهدوء والعنف. وربما كان التيار المدني هو ما فاجأ العالم في ثورة 25 يناير وبعدها في ثورة 30 يونيو.

&

ثنائية الجيش - «الإخوان» اهترأت، هذه الحقيقة يعبّر عنها جمود الحياة السياسية في مصر، فليس أمام الحكم سوى إطلاق الحرية للتيار المدني ليبدأ معه عهداً جديداً يتجاوز الثنائية نحو مهام أساسية في الإنماء والحرية والحضور السياسي في الإقليم.

&

إنها فرصة الحكم المصري.
&