حسين شبكشي

التحديات الخارجية أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لا تقل أهمية عن الهم الداخلي. فذلك هو قدر السعودية كدولة ذات وزن وثقل ومكانة «مميزة»، بالإضافة لكونها قبلة المسلمين حول العالم، والاقتصاد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، والمنتج الأكبر للسلعة الاقتصادية الأهم حول العالم.


الملفات الخارجية اليوم معقدة ومهمة واستراتيجية وملتهبة. منها ما له علاقة بالهاجس الأمني وخطره وهو الذي يرتبط بالتمدد الهائل لأنشطة الجماعات المسلحة والتي توسعت عملياتهم في مناطق مختلفة حول العالم العربي، وباتت عنصرا هداما للأمن والاستقرار في مناطق مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا ومصر والصومال، مجاميع باتت تشكل خطرا على منظومة الأمن العربي نفسه، تروج نفسها تحت أسماء «جذب» دينية مثل «القاعدة» وحزب الله وداعش وبيت المقدس وأنصار الله وفجر الإسلام وشباب الإسلام وأبو الفضل العباس وجيش المهدي، وغيرها من المجاميع الظلامية.


السعودية من واقع مكانتها وثقلها تنحاز للدولة والشعب في أي مكان، وليس إلى «المجاميع والجماعات» التي تتحدث باسم الدين وتحمل السلاح. التحديات الخارجية كثيرة، منها ما هو تهديد على الأمن الوطني السعودي بشكل مباشر مثل الانهيار الأمني الحاصل في اليمن والعراق وسوريا، والسعودية معنية بالعمل على تحقيق مرحلة سوريا الموحدة والمستقرة دون الأسد ونظامه الذي يشكل استمرار وجوده سرطانا ينمي خلايا الفكر التكفيري (على الجانبين السني والشيعي في المنطقة).


وهناك الجار العراقي الذي تتحسن معه العلاقة بشكل تدريجي، ولكن لا بد من التفهم التام أن السعودية سيكون لديها القلق والشك والخوف من تزايد النفوذ والوجود الإيراني في هذا البلد الجار العربي، والسعودية محقة جدا في هذه المخاوف.


واليمن الذي يتآكل وينهار تماما ومعرض لسيناريوهات مقلقة ومخيفة بين التقسيم والحرب الأهلية الكاملة. وما يحدث في اليمن من تداعيات له آثار مباشرة على العمق الأمني السعودي كما هو متوقع. وهناك العلاقة «الخاصة» بين أعضاء مجلس دول التعاون الخليجي و«الاتفاق» على الخطوط الأساسية التي تجمعهم، وموقفهم من أهم القضايا في المنطقة، وهل هناك استعداد للبحث في تحويل الكيان إلى اتحاد أم أن هذا الأمر قد أغلق، وهل ستتم إضافة وتوسعة عدد الأعضاء أم أن ذلك بات صعبا؟
وهناك العلاقة مع مصر ذات البعد الاستراتيجي على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي، ودعم البلد ضد التهديدات المتطرفة التي تعمل على اضطراب الدولة بأي شكل من الأشكال، واعتبار ذلك حجر زاوية في السياسة الخارجية للسعودية.


وطبعا اعتبار تداعيات المشهد الليبي المفجع مسألة لها أبعاد على الوضع الأمني العربي عموما، وعلى الوضع المصري تحديدا. وهناك الملف اللبناني الذي يجب أن يحسم اختيار الرئيس فيه ودعم اللبنانيين على دعم دولتهم لا ميليشيات «تخطف» القرار السياسي تحت تهديد السلاح.


ودوليا هناك انفتاح واضح يؤمن به الملك سلمان باتجاه الشرق الأقصى، وزيارته لليابان والهند والصين لا تزال آثارها عالقة في الأذهان، ومن المتوقع الاستمرار على نفس النهج مع الانفتاح على مناطق أخرى مثل أميركا اللاتينية وآسيا الوسطى وشرق أوروبا، وهي مناطق «بكر وجديدة» من الممكن أن تكون قاعدة لتوسيع رقعة الاستثمار والتجارة والدبلوماسية السعودية.


أوروبيا للملك سلمان علاقات شخصية مهمة وقديمة مع عدد غير قليل من البلدان فيها، فله علاقات مميزة مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، كذلك الدول الاسكندنافية التي زارها شخصيا، وعليه من المتوقع تنمية هذه العلاقات بشكل أقوى وأعمق.


وطبعا هناك العلاقة مع الولايات المتحدة، وهي علاقات يدرك جيدا الملك سلمان أهميتها وأبعادها، ولكنه مدرك أيضا التيارات والمؤثرات التي تصاحب هذه العلاقة لعلمه بما مرت به سابقا العلاقة بين البلدين من مراحل مد وجزر.
وهناك الملف الفلسطيني الذي كان وسيظل نقطة محورية وأساسية في سياسة المملكة العربية السعودية لنصرة أبناء فلسطين، والملك سلمان كان له باع مهم جدا في العمل الإغاثي لدعم الفلسطينيين عبر سنوات غير بسيطة. وستكون العلاقة مع تركيا وإيران مجال ترقب، فإيران التي وضعت نفسها في موقع الخصم مع معظم العالم العربي بدعمها للطائفية في أكثر من بلد عربي وتحريك الفتنة باتت على خيار واضح؛ إما أن تكون لاعبا على إعادة السلام، وإما خصما صريحا له. وتركيا مطالبة بأن تكون عنصرا إيجابيا لكبح تيارات الفتنة ولدعم التجارب الناجحة في المنطقة بالخبرة الاقتصادية التركية دون الدخول في تفاصيل «إضافية» مشروطة لهذا الدعم.


وهناك انفتاح متوقع على العالم الإسلامي على دول مثل إندونيسيا وباكستان ونيجيريا وماليزيا وآسيا الوسطي والسنغال، والتأكيد على الدور القيادي للسعودية في عالمها الإسلامي، وتحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية المهمة وراء ذلك.


التحديات السياسية الخارجية الموجودة اليوم أمام الملك سلمان مهمة جدا وتجيء أمام رجل سياسي محنك يعي هذه التحديات جيدا، وهذا بحد ذاته مصدر اطمئنان.