علي سعد الموسى

لا شيء يشبه هذه البلاد الطاهرة في فاجعتها الكبرى ليلة الجمعة الماضية سوى أم رؤوم ولود فقدت ابنها البار الأكبر فجأة نصف المساء، لكن هذه الأم دخلت في مخاض لتلد ثلاثة رجال قبل الفجر ذاته بساعة. والعبرة برمتها ليس إلا أن هذا الوطن العظيم لن يموت، لأنه وجد ليبقى طالما كان هذا الرحم ولاداً مستكثراً من جينات بذرة الخير التي جاءت من صلب المؤسس. نحن شعب نام على ملك ثم استيقظ على ملك جديد، والعبرة النهائية المدهشة برمتها: كم هي نعم الله علينا ونحن "برداً وسلاماً" في وسط خريطة ملتهبة من القتل والخوف، تتنازع من حولنا كل جهات البوصلة الأربع.

ثم هل نحن فعلاً على قدر من الوعي المكتمل كي نقرأ واقعنا الجميل في إطار الصورة الكبرى من حولنا، وهل سنرتفع لألف ميل إلى السماء كي نشاهد تناقضات هذه الخريطة؟


عرفت أبوفهد خادم الحرمين الشريفين للمرة الأولى، ذات صباح باكر قديم حين اختلف معي على بضع جمل لمقال، ذهبت إلى مقامه بصحبة معالي الأب، عبدالله العلي النعيم، يومها ظننت أنني ذاهب لزيارة اعتذار لكنني اكتشفت بعد ساعتين أنني كنت مع هذا الوالد الحنون في جلسة اقتناع وحوار ونقاش وجدل. وبعدها في مرات شاردة كان "أبوفهد" يبادر بالاتصال عند الاختلاف على فكرة ويترك طاقم مكتبه لينقل الشكر في حال الاتفاق. هو يفعل هذا بالضبط مع سلة خياراته من الكتاب بشكل دائم. كان آخر لقاء لي بهذا القائد الكبير ذات ليلة قريبة في طوكيو ويومها استأذنت مقامه للحديث معه بانفراد وقلت "لسموه" من جمل الصراحة وحديث الحق ما لا أستطيع أن أقوله "لوزير" لأنني مؤمن أن "ابن سعود" أوسع صدراً وأكثر أبوة وألمع فهماً لخوالج مواطن بسيط لم يعرف هذا البلد إلا باسمه. تعلمت من مشواري مع سلمان بن عبدالعزيز أن أطرد عقدة "الخوف" التي تطارد كل عربي مع حاكمه وولي أمره.

تعلمت من مشواري مع سلمان بن عبدالعزيز أن ألجأ إليه للاحتماء من غيره، وهو اعتراف بشهادة بعض القصص التي تعرفها "مآذن" الكتاب وظلمات بعض لياليهم التي ينتظرون فيها انبلاج الفجر لدى سلمان بن عبدالعزيز، هو وحده، خادم الملوك الستة من قبله بوصف نادر مثلما هو خادم شعبه الوفي، هو من عاش "خادماً" للمبادئ والقيم وحتى عندما تنظرون إليه: هو شكل أبيه وصورته.