محمد خروب

&

&

&«باقية وتتمدّد» هذا هو شعار «داعش» الذي بدا في وقت ما، وكأنه قيد التنفيذ والنجاح، وانها مسألة وقت يحتاجه التنظيم الذي تضخّم فجأة وغدا لاعباً رئيساً في المنطقة وفي كتابة جدول اعمالها، فراح يضرب في كل الاتجاهات ويَحْتَّلُ ويُقيم دولته وينشر الرعب ويسفك الدماء ويهدم المساجد والجوامع ودور العبادة وينسف الاضرحة والمقامات ويهجّر المسيحيين ويسبي نساء الازيديين، وكانت ليلة سقوط الموصل فاجعة حقيقية، لكل الذين ارادوا تطهير المنطقة من شرور الارهاب والحدّ من اخطاره وملاحقته، على نحو تكشفت فيه هشاشة دولة كالعراق، لم تنجح في «إشفاء» نفسها من الامراض العضال التي تفتك بالمجتمعات كالطائفية والمذهبية والعرقية وينخر الفساد جذورها والعطالة والتسيّب وغياب القانون..
ما علينا..


اندفاعة داعش الهوجاء التي تلت سقوط الموصل في 10 حزيران الماضي، تجلّت في غزوة اقليم كردستان واقتراب التنظيم الارهابي من عاصمته اربيل، التي كادت تسقط بيد داعش لولا الدعم العاجل والسريع (والذكي سياسياً واستراتيجياً) ان شئنا الدقة، الذي سارعت ايران لتقديمه الى الاقليم، رغم كل التوتر الذي يُميّز علاقات طهران برئيس الاقليم مسعود برزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني (معروف ان علاقات جيدة تربط بين خصم او منافس برزاني، جلال طالباني رئيس الجمهورية السابق)، ما أسهم في لجم الاندفاعة وعجّل في قيام التحالف الدولي لمكافحة الارهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية بعد هجمة داعش الشرسة والخطيرة التي كانت ستقلب موازين القوى وستطيح بالكثير من المعادلات، باتجاه مدينة كوباني (عين العرب) السورية في السادس عشر من أيلول الماضي، تلك الغزوة التي اصابت نجاحاً ملحوظاً في البداية، «نجاح» لم يزد سوى في قلق وتوتر ورعب عواصم ودول عديدة في الجوار السوري والعراقي، وفي دول اقليمية ودولية، رأت في استمرار داعش بالتوسع والامتداد والسيطرة على المزيد من الأراضي، تهديداً خطيراً لمصالحها ونسفاً لكل الجهود التي بذلتها من اجل «ضبط» الاوضاع في المنطقة أو اعادة رسم خرائطها او التحكم بالمدى الذي يمكن للحرائق التي اشتعلتها ان تمتد اليه أو تُهدّد بتوسيعها..
الدور التركي المتواطئ والمشبوه، الذي التقى علانية دونما خشية من لوم أو تخوّف من عقوبات أو توبيخ, كان واضحاً في دعم توجهات وخطط داعش, حيث اكتفى بحشد قواته على الحدود، ليس لارسال رسالة الى داعش بأن تقدمها نحو الاراضي التركية هو مغامرة ستُقابل بالرد السريع, لأن داعش اصلاً لا تفكر بتجاوز الحدود السورية التركية, بقدر ما تسعى الى السيطرة على المراكز الحدودية, وتغدو «جارة» لانقرة تنسق وتتشاور وتلقى الدعم (والاوامر) دونما خطورة أو حاجة الى وسيط.. بل ارادت انقرة ان تغلق الحدود في وجه وصول امدادات وعناصر بشرية كردية (تركية), خصوصاً من مقاتلي حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان الى كوباني.
لم يطل الموقف التركي على عناده, بعد أن ازدادت الضغوط وراح الجميع يتحدث عن مشاركة تركية في نشاطات ومعارك ومعلومات داعش, الامر الذي التف عليه اردوغان واركان استخباراته، فاستدعوا «حليفهم» الاستراتيجي الكردي العراقي مسعود برزاني, كي يقطف ثمار اي تحوّل في المواقف أو التحالفات و»أَذِنوا» له بارسال بعض العتاد والعديد الى كوباني.. هروباً تركياً من الضغوط الدولية، واستباقاً لأي مكسب يمكن أن يحصل عليه كُرد سوريا الذين يتحالفون مع الـ PKK وزعيمه اوجلان الذي هو على خصومة وتنافس مع مسعود برزاني من اجل الفوز بزعامة الكرد في كردستان التاريخية.


تغيّر المشهد كثيراً وعميقاً منذ ذلك الحين، حيث صمدت وحدات حماية الشعب PYD التي شكّلها حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردستاني السوري) واستبسل من جاء من البشمركة العراقية وخصوصاً نساء كوباني ومقاتلاتها الباسلات, على نحو بدا وكأن المدينة قد تحوّلت الى ستالينغراد سورية كردية، وكانت بالفعل حرباً وجودية خاضها الكرد السوريون دفاعاً عن ارضهم وشعبهم وحقوقهم في وجه غزوة فاشية الطابع والاسلوب لم تتردد في مقارفة كل المحرمات، بدون أي وازع اخلاقي أو انساني أو ديني.
جملة القول: أنه وبصرف النظر عن الحذر الذي تُبْدِيه ادارة اوباما في وصف ما حدث مؤخراً بأنه انتصار أو تحرير كامل لكوباني, فإن اجبار داعش على سحب قواته (ولو تكتيكياً أو محسوباً.. كما يدّعي) سيشكل بداية مشوار الافول والتراجع لهذا التنظيم الارهابي, الذي قد لا يختفي بسهولة من المشهد السوري والعراقي (بل والاقليمي حيث تَمدّد أو برز من بايعه من منظمات الارهاب المنتشرة في اكثر من بلد عربي واسلامي) وليس اندحار داعش في محافظة ديالي سوى المؤشر على بداية هذا التراجع والأفول.
&