عبدالعزيز العويشق

خلال فترة حكم الملك عبدالله - رحمه الله - بلغ دخل الحكومة 8.7 تريليونات ريال، في حين تجاوزت مصروفاتها 6.5 تريليونات، تم تخصيصها للإنفاق على التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية والدفاع والأمن

&


شهد عهد خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - تطورات غير مسبوقة في تاريخ المملكة والمنطقة، يجب أن تلهمنا لمواصلة مسيرته الإصلاحية والتنموية ودعوته إلى الحوار والوسطية والاعتدال.


بويع عبدالله الملك السادس في الدولة السعودية الحديثة في أغسطس 2005، بعد عقود في مناصب عليا. ففي عام 1963 أوكلت إليه رئاسة الحرس الوطني، فتمكن خلال فترة قيادته من تحويله إلى مؤسسة عسكرية حديثة، فضلا عن خدمة المجتمع والثقافة. وفي عام 1975 بعد اغتيال الملك فيصل أصبح نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء في عهد الملك خالد، وفي 1982 أصبح ولي العهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وأخذ على عاتقه مسؤوليات متزايدة خلال السنوات الأخيرة من عهد الملك فهد.


كان الملك عبدالله أحد أهمّ القادة إقليميا ودوليا، (في عام 2012 اعتبرته مجلة فوربز سابع أكثر قائد أهمية في العالم). يتذكر العالم قيادته للحوار بين الثقافات والأديان والمذاهب، ودعمه لأصوات التوسط والاعتدال، ودوره في محاربة الإرهاب والطائفية والكراهية والتعصب.


فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وكان معظم مرتكبيها سعوديين، وبعد أن شن إرهابيون سعوديون أيضا أعمالا إجرامية في المملكة عام 2003، قام عبدالله بدور تاريخي لتأسيس مفاهيم الحوار والاعتدال ونبذ الإرهاب. ففي يوليو 2003 أعلن - وهو ما زال وليا للعهد - عن موافقة الملك فهد على تأسيس مركز الحوار الوطني في الرياض، محددا مهامه بـ"إيجاد قناة للتعبير المسؤول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف، ويوجد مناخا نقيا تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي".


في عام 2008 قاد الملك عبدالله حملة دولية للحوار. ففي يونيو استضاف في مكة المكرمة (المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار) حضره 500 شخصية إسلامية. وفي يوليو ترأس مع الملك الإسباني خوان كارلوس مؤتمرا للحوار في مدريد، وفي نوفمبر ترأس خادم الحرمين القمة الدولية لحوار الأديان التي رعتها الأمم المتحدة في نيويورك وصدر على إثرها إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الحوار.


وأعقب هذه الجهود، بمبادرة منه، إنشاء مركز الملك عبدالله للحوار في فيينا بالنمسا عام 2012 للعمل بشكل مؤسسي مستمر على نشر ثقافة الحوار والتسامح في العالم.


وعلى المستوى العربي مدّ خادم الحرمين يده لمساعدة الدول العربية، اقتصاديا وسياسيا. وتبنت القمة العربية في مارس 2002 مبادرته التي أصبحت "المبادرة العربية للسلام". ومع أن إسرائيل لم تقبل بهذه المبادة إلا أنها ما زالت تمثل مرجعية أساسية لحل النزاع.


وعلى المستوى الخليجي، كان تطوير مجلس التعاون على رأس اهتماماته. ففي قمة مسقط في ديسمبر 2001 قدم مقترحا مفصلا لإصلاح المنظمة، أعقبه بخطة تفصيلية عرضت على القمة التشاورية في مايو 2002، كان لتنفيذها دور مهم في تسيير دفة التكامل الخليجي. وقدم مقترحا آخر في عام 2008 لتسريع وتيرة الأداء وزيادة فاعلية المجلس. وفي ديسمبر 2012 قدم اقتراحه بالانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.


واقتصاديا، شهد عهده طفرة اقتصادية تضاعف خلالها حجم الاقتصاد السعودي من (1.2) تريليون ريال في 2005 إلى (2.8) تريليون في 2014، واحتل المرتبة الـ19 بين اقتصادات العالم بالقيمة الاسمية، والمرتبة الـ14 بالقيمة الشرائية.


وخلال عشر سنوات (2005 - 2014) بلغ دخل الحكومة 8.7 تريليونات ريال، في حين تجاوزت مصروفاتها 6.5 تريليونات، تم تخصيصها للإنفاق على التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية والدفاع والأمن. وعلى الرغم من مستوى الإنفاق الضخم احتفظت المملكة باحتياطات نقدية عالية بلغت نحو 3 تريليونات ريال، في حين انكمش الدين الحكومي إلى 44 مليار ريال، أو (1.6) بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.


وكان تطوير القضاء أحد أهم متطلبات تحديث البيئة الاقتصادية والقانونية. ولمشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء دور أساس في تدوين الأنظمة الإجرائية والموضوعية، وإعادة هيكلة المحاكم ونظم التقاضي، وتوفير مزيد من الشفافية والانتظام في مرفق القضاء، مما كان له دور ملموس في السنوات الأخيرة في كشف المخالفات وتصحيحها ومحاسبة مرتكبيها.


وظل التعليم إحدى ركائز سياسة الملك عبدالله، بهدف تطوير مخرجاته بما يتواءم مع احتياجات المرحلة الحالية، وتعزيز مفاهيم الوطنية والوسطية. ففي التعليم الجامعي أنشئ في عهده عشرات الجامعات والكليات، وابتعث إلى الخارج نحو 200 ألف طالب وطالبة. وفي التعليم العام أسس (مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام) بميزانية قدرها 9 مليارات ريال، وفي عام 2014 بدأ العمل في تنفيذ برنامج دعم تحقيق أهداف المشروع بتكلفة تتجاوز 80 مليار ريال.


ترك عبدالله إرثا كبيرا جعله في مصاف القادة التاريخيين، وكسب حب شعبه واحترام العالم. ولكن الحفاظ على هذا الإرث يتطلب تضافر الجهود لتحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها.
وسأتطرق إلى بعض ذلك الأسبوع القادم.
&