علي العنزي

منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، في بدايات عام 1902، عندما تم فتح الرياض على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، وحتى الوصول إلى إعلان اكتمال الدولة عام 1926، لم تتوقف هذه الدولة عن التطوير والمواكبة لمتطلبات العصر في العالم، أياً كان نوعها، سواءً سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية، ولذلك استمرت ديمومة الدولة السعودية الثالثة، متخطية كل الصعاب والعقبات التي تظهر في وجهها. واليوم تبدأ مرحلة جديدة من مراحل بناء وتطوير الدولة السعودية بقيادة متجددة، تملك من الماضي التاريخ والحضارة والعراقة ومن الحاضر العزة والأصالة، ومن المستقبل العزيمة والعنفوان للوصول إلى القمة في كل شيء، لبناء الوطن والإنسان وفي أقدس بقاع الأرض.

&

لقد أظهرت وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وتولي أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، متغيَّرين مهمين، الأول هو مدى الأهمية والاحترام التي تتمتع بها السعودية وقيادتها، فوصل إلى الرياض عشرات القادة العالميين من عرب ومسلمين وأجانب، من الشرق والغرب، وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما، والذي اختصر زيارته إلى الهند ليزور الرياض، ليقدم واجب العزاء إلى القيادة والشعب السعودي، والمتغير الثاني هو السلاسة في انتقال السلطة، وهو ما يؤكد مرة بعد أخرى أن القيادة السعودية لديها نهج ونظام في الحكم، لن تغيره أو تحيد عنه، وهو مصلحة البلاد والحفاظ على أمنها ورخائها واستقرارها.

&

إن زيارة أوباما إلى السعودية بتوقيتها وحجم تمثيلها، توضح أن السعودية هي رقم صعب في المنطقة، لا يمكن تجاهله أو القفز عليه، ولذلك عكس حجم الوفد الأميركي برئاسة الرئيس أوباما، مدى الأهمية القصوى التي توليها الإدارة الأميركية، وكذلك الكونغرس بشقيه الديموقراطي والجمهوري؛ للحفاظ على العلاقات بين البلدين وتطويرها والسعي لاستثمارها في حل العديد من قضايا المنطقة.

&

لا شك أن شخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز ليست بعيدة عن المشهد السياسي في السعودية، فهو السياسي الذي تبوأ المناصب وهو شاب، فكان أميراً لمنطقة الرياض، واستمر في منصبه أكثر من 50 عاماً، وهو القريب جداً من كل الملوك -رحمهم الله- سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، فكان عوناً لهم في بناء الدولة، فكان يوصف بأنه أمين سر العائلة، ومستشاراً للملوك وله علاقات شعبية مع أبناء الشعب، ويعرف العائلات ولديه اهتمام بالأنساب والتاريخ، ويهتم بالإعلام، وصديق للإعلاميين، بذل جهوداً كبيرة جداً في تطوير مدينة الرياض؛ ليجعل منها عاصمة لدولة متطورة ومتحضرة جداً، مع الحفاظ على تراثها وتاريخها، حتى أصبحت تعد في مصاف المدن العالمية، ثم انتقل إلى وزارة الدفاع عام 2011، وبويع ولياً للعهد عام 2012، ليجمع بين وزارة الدفاع وولاية العهد، ثم بويع ملكاً في 23 كانون الثاني (يناير) 2015؛ ليقود البلاد في مرحلة دقيقة جداً تمر بها المنطقة.

&

يملك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز علاقات سياسية وصداقات مع العديد من قادة العالم، فهو شخصية سياسية معروفة على المستوى الدولي والإقليمي في المملكة، فقام بالعديد من الزيارات الرسمية إلى العديد من دول العالم منذ أن كان أميراً للرياض، إضافة إلى أنه وبحكم إمارته للرياض، لديه معارف مع جميع السفراء العرب والأجانب، الذين عملوا في المملكة، لذلك سيستثمر علاقاته الدولية مع العديد من القادة، والشخصيات العالمية، لصيانة أمن الخليج والأمن العربي، وسيسعى إلى تطوير التعاون الدولي من أجل الاستقرار والسلم العالمي، فزيارة أوباما إلى المملكة أظهرت حتمية الحوار والنقاش مع القيادة المتجددة والجديدة في المملكة، حول العديد من القضايا في المنطقة، ولاسيما الأوضاع المتفاقمة في اليمن والعراق وسورية وليبيا، إضافة إلى محاربة الإرهاب ممثلاً بداعش والقاعدة، وأسعار النفط وتأثيرها في الاقتصاد العالمي.

&

يرى العديد من المراقبين والمحللين أن الملك سلمان بن عبدالعزيز وقيادته لهذا الانتقال السلس، وتعيينه الأمير مقرن ولياً للعهد، وباختياره وترشيحه للأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، قد أرسى عهداً جديداً، ومرحلة جديدة من مراحل بناء الدولة السعودية، فبخبرته استطاع أن يرتب البيت السعودي من الداخل وبسرعة فائقة، وأغلق كل الإشاعات والتكهنات حول الخلافات بين الأسرة، وليدخل الأحفاد إلى الحكم؛ ليرسل رسالة طمأنة للشعب السعودي، بأن مؤسسة الحكم تقوم على أسس ومعايير أهمها الحفاظ على أمن واستقرار الوطن والمواطن، والسير في هذه الدولة إلى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة، ولذلك جاءت مؤشرات هذا النهج من خلال اختياره ولي العهد وولي ولي العهد، إذ يعكس هذا الاختيار أن الحكومة ستركز في المستقبل على نقطتين مهمتين، هما: التطوير والبناء وامتلاك التقنية، وهذا النهج يمثله ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز، والنقطة الثانية هي المحافظة على الأمن والاستقرار ويمثله ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز الذي نجح في محاربة الإرهاب في السعودية، مع اهتمامه الشديد بتأهيل الإنسان، وهو ما يلمسه في برامج وزارة الداخلية الإلكترونية.

&

لا شك، أن التحديات التي تواجه الملك سلمان بن عبدالعزيز ليست بالهينة، ولاسيما التطورات السياسية في المنطقة، وعلى رأسها الوضع المتأزم في اليمن والعراق وسورية، وكذلك مواجهة التطرف والإرهاب، ممثلاً بتنظيم داعش في العراق وسورية، والقاعدة في اليمن، إضافة إلى أسعار النفط التي وصلت إلى نقطة حرجة، لذلك يرى العديد من المراقبين والمحللين أن الخبرة السياسية والحنكة التي يملكهما الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسرعة ترتيبه لانتقال الحكم، ستساعده على مواجهة كل هذه التحديات، وتجنيب السعودية الآثار السلبية لها، كما أنه سيسهم في معالجتها وفق ما تقتضيه مصلحة الشعوب العربية والإسلامية والسلم العالمي، وهو ما بيَّنه في كلمته التي نعى فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بأن المملكة ستستمر على النهج الذي تأسست عليه، وأكد ذلك بقوله: (نتمسك بوحدة الصف وخدمة الشعب والاستمرار على النهج القويم الذي تأسست عليه المملكة).
&