&محمد رفيع

&
(لو كُنتُ فلسطينياً لَتعلّمتُ من بن غوريون، وقبلتُ ما يُعطى لي)..!؟، وماذا بعدُ أيضاً..؟
- (لَوافقتُ على الاعتراف بإسرائيل كدولة القومية للشعب اليهودي)..؟
- (ولَتخلّيتُ عن حقّ العودة الوهميّ)..!؟
- (ولَتمسّكتُ دوماً بقوّة عظمى استندُ إليها في مطالباتي الشرعية)..!؟


هذا ما كتبه (زئيف شترنهل)، في صحيفة (هآرتس) الصهيونيّة، مؤخّراً، تحت عنوان؛ (لَو كُنتُ فلسطينياً). ولكن مَن هو (زئيف شترنهل)، الذي يقدّم النصيحة لعدوّه التاريخي ونقيضه الوجوديّ..؟
البعضُ يسميّه (المفكر الصهيوني). أمّا هو، فيُلقّبُ نفسَه بـ(كاتب _ صهيوني). وفي سيرته الذاتيّة، أنّه؛ ضابطٌ سابقٌ في الجيش الإسرائيلي؛ قاتَلَ في ثلاثة حروب خاضتها الدولة العبريّة. أمّا حاليّاً، فهو بروفسور، ومؤرّخ، وخبير دوليّ في العلوم السياسية، وحائز على جائزة إسرائيل في العلوم السياسية. إلى هنا والأمور تقليديّة في سيرة النابهين من عناصر (جيش الدفاع الإسرائيليّ..!)، بعد الخدمة العسكريّة.
قبل سبع سنوات، أُصيبَ المفكّر الصهيونيّ اليساريّ جراء عبوّة ناسفة، وُضعت عند بوابة بيته. لم يَعرف أحدٌ هويّة المسؤول عن هذا العمل بعد، غير أنّ كل الأدلّة تشير إلى أنّه من نوعيّة الذين اغتالوا إسحق رابين، رئيس وزراء حكومة العدوّ الأسبق. بمعنى الجهات الأكثر تطرّفاً في مجمّع الاستيطان الصهيونيّ الأكبر، الذين يعتبرون أنفسهم الأكثر حرصاً ومعرفة بمصالح دولة العدوان.


قبل محاولة الاغتيال، كانت آراء الكاتب الصهيونيّ اليساريّ (زئيف شترنهل) مختلفة نسبيّاً. إذ كان يعتقد؛ (أنّ الاحتلال سرطانٌ يلتهم النفسَ الإسرائيلية)، ولهذا، فهو (يخشى من ألّا تتمكّن إسرائيل من البقاء)، ما يعني القلق (من أن لا يتمكّن أولاده وأحفاده من العيش هنا). وصرّح: (بأنّ على الفلسطينيين أن يهاجموا فقط الإسرائيليين، الذين يقطنون في الضفّة الغربية وليس داخل الخط الأخضر). كما عبّر عن (تضامنه مع الكفاح الفلسطيني). بل هو مَن أعلَن أنّه: (لا تُمكن معانقة المحتلّ ومقاومة الاحتلال) في الوقت نفسه. ووصلَ إلى حدّ القول: بأنّ (اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل يعني إقرار بهزيمتهم التاريخية وتبخّر قضيتهم).
فما الذي تغيّر اليوم، كيّ يتقدّم الرجلُ بنصائحه إلى الفلسطينيّين، طالباً منهم الاقتداء باليهود، في عرضٍ تاريخيّ طويل، مليء بالمغالطات التاريخيّة..؟! وداعياً الفلسطينيّين إلى نسيان حقّ عودتهم إلى ديارهم، ومعتبراً إيّاهم؛ بأنّهم (.. عندما يحلم الفلسطينيون بقراهم التي لم تعد، فذلك من أجل إقناع أنفسهم بأنّ حياتهم لم تنتهِ. دعوهم يبنون لأنفسهم حياة حقيقية وسينسون الأساطير).


لا شيىء تغيّر على الرجل سوى محاولة الاغتيال، التي يبدو أنّها أعادت الصفة الصهيونيّة، في سيرته، إلى أصالتها، ومن دون إضافات زائفة، ولا معنى لها. صهيونيّةٌ هي في جوهرها؛ حركة استعمارية أنتجت دولة استعمارية (إسرائيل). وهي حركة استعمارية في غايتها وفي معانيها ومضامينها. ذلك أنّها مشروع استعماري متواصلٌ ومستمرٌّ، يستهدف الاستقرار في جزء من المشرق العربي، بإزاحة ونفي السكّان الأصليين، من خلال الطرد التدريجي الفردي والجماعي والتطهير العرقي.
أمّا شعارات ومفاهيم (التهويد) و(الدولة اليهودية) و(أرض إسرائيل)، فهي ليست مفاهيم ثقافية، وإنّما هي مشروع ديمغرافي يعني؛ طمس فلسطين العربية، وخفض عدد السكّان غير اليهود فيها إلى أقصى حد ممكن. وشعارات (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، و(تحرير الأرض)، و(العمل اليهودي) و(المنتجات اليهودية)، التي رافقت تأسيس المشروع الصهيوني في فلسطين، خير شاهد على ذلك. كما أنّ وجود (دولة يهودية)، في فلسطين والمنطقة العربية بل والعالم المعاصر، يعني أن تكون في حرب دائمة مع كلّ شيء غير يهودي، من الناحية الديمغرافية والثقافية، وهي حرب عنصرية دائمة. ففي كلّ أدبيات وخطاب (دولة إسرائيل)، تتجلّى العنصرية الحديثة، بما هي اتجاه لـ(تجاهل/ ورفض الآخر) وصولاً إلى نفيه من الوجود الزماني والمكاني. وبهذا المعنى، تكون الحركة الصهيونية حركةً عنصرية تقوم على إنكار إنسانية الإنسان.
فأيّ مفارقة إنسانيّة، تلك التي تحدث، عندما يتقمّص (الصهيونيُّ) جَسَدَ ووعيّ ضحيّته، متسائلاً:
(لَو كُنتُ فلسطينيّاً)..!؟
&