سارة الرشيدان

تغيير الخريطة السورية أصبح واقعا في ظل تمدد داعش فيها على الأقل؛ إلا أن غير المفهوم استمرار الرعاية والعناية بداعش لكونها سوقا للسلاح المصنع في أميركا وروسيا تستنزف به اقتصاد المنطقة

&


الواقع العربي اليوم في مناطق الصراع لا يمكن فهمه إلا أن هناك سياسة إبادة لا ترحم موجهة ضد الضعفاء السوريين خاصة، وأن قانون الغابة البقاء للأقوى هو من يحكم!
وإن كان بشار يستمتع بالموت الذي يسقيه لشعبه فآلاف الصرخات السورية التي ارتفعت أمام حمى الموت التي تعبث بالسوريين في كل أراضيهم لم تزده إلا ثباتا على الاستمرار في سياسة الإبادة والقتل!
سيذكر التاريخ أن العرب حتى مطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي كانوا يواجهون الموت بشكله المعتاد؛ لكن بعد ذلك تعددت أشكال الموت والفناء لديهم من حرق، وغرق، وبراميل، وقتل أقارب، وقذائف منوعة تسقط من السماء!
يقال الكثير عن مساعدة شعب سورية ولكن ما يحدث هو العكس؛ لدرجة أن قضية فلسطين التي كنا نظن أنها معقدة قد أصبحت فكرة واضحة جدا مقارنة بسورية؛ ففي فلسطين يهود العالم يدعمون وجودهم؛ لكن ماذا يراد بسورية؟
حين تحدث الرئيس الروسي وانتقد سياسة أميركا ضد داعش، قلنا صدقك وهو كذوب، لكنه حين ضرب السوريين بناء على خارطة بشار كان أكثر صدقا في دعم بشار وتجنب إيقاع الأذى بداعش مثله مثل أميركا وربما كان أبشع.

شعار داعش (باقية وتتمدد) يصدق على مصائب سورية التي بدأت مطلع الثورة ببتر أيادي الأطفال الصغار الذين كتب أحدهم -ربما هازلا- (الشعب يريد إسقاط النظام)، وتداعت الثورة السلمية التي لم يرد لها أن تستمر كذلك أبدا، وها نحن اليوم نرى الروس يبيدون السوريين من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لكن أية غاية تريد روسيا من دعم بشار؟
السؤال المؤلم: هل يستحق بقاء هذا النظام أن يسقط شعب بأكمله أصبح بين قتيل ومهاجر، أو باق في أرض تحكمها داعش أو النصرة، أو متلق للبراميل والقذائف الساقطة من السماء، وأخيرا قوات المارينز التي ستنضم لدعم بشار؟
يتردد مؤخرا الحديث عن تقسيم سورية وإفراغ المناطق السنية تحديدا من سكانها خاصة الشباب وتسهيل الهجرة لهم؛ وبالمقابل إحلال بديل جاهز لهم قادم من إيران. والسؤال المثير للحيرة: لماذا تشارك الدول الغربية في هذا الإحلال ولماذا تفتح أبواب الهجرة للسوريين إليها؟!
السوريون أثبتوا أنهم شعب مميز في العمل والإنتاج، حديدي الإرادة، لا يستقر في مكان دون أن يكون منتجا فيه؛ حتى إن بعضهم أحيا في لبنان مثلا ورشا وصناعات لم تكن موجودة؛ بالتالي فوجودهم في أي مكان مكسب للمكان وأهله وليس عبئا ثقيلا عليه؛ لكن بالتأكيد ليس هذا هدف فتح باب الحياة لهم في الغرب.


تغيير الخريطة السورية أصبح واقعا في ظل تمدد داعش فيها على الأقل؛ إلا أن غير المفهوم استمرار الرعاية والعناية بداعش لكونها سوقا للسلاح المصنع في أميركا وروسيا تستنزف اقتصاد المنطقة؛ لتفيض به على الدول المصنعة للأسلحة وما أرخص دم الإنسان!
من دفع لروسيا ثمن ما تلقيه على رؤوس السوريين؟ وهل هي إيران من يسدد فواتير الحرب على الشعب السوري؟
الأسلحة التي تتجه لليمن والمتفجرات التي تنشر في الخليج؛ لغرض التخريب كلها تعود لفكرة نشر الموت والدمار الذي يجب أن يبقى ويزول الأمن والاستقرار من المنطقة. الشعب السوري الضحية أيضا بقي غير منساق لما انساق له أرباب داعش؛ فلم نجدهم عناصر فاعلة في التنظيمات والتفجيرات باستثناء التابعين لنظام ما تبقى من سورية.


متى ستنتهي هذه الأزمة؟ الله أعلم، إلا أن الثابت والواضح أنها حرب عالمية تشارك فيها قوى العالم فيما يشبه استعراضا عسكريا ضد عزلة وشتات ودمار هذا الشعب الرائع. الحرب تجلي وتحل وتبدل الواقع بشكل صادم ولن تترك الكثير من تراث سورية، ولا من تاريخها ولا الأهم وهو الإنسان الذي يحلم بوطن لم يعد موجودا إلا في خياله؛ حتى إن هذا الأسبوع وعلى شاشة إحدى الفضائيات عبَّر أحد السوريين، وأظنه من حمص عن معاناته خارج وطنه قائلا: جربت الحياة خارج سورية، ولم أشعر بالراحة وأنا عائد لأموت في وطني خير من الحياة بالخارج!
الموت المتاح في الوطن خير من الحياة خارجه؛ معادلة أو متراجحة وصل لها هذا السوري بينما صديقتي خرجت مع أسرتها لتركيا وانتقلت لمصر ليمرض والدها في غضون أشهر ويفارق الحياة ويدفن بعيدا عن أرضه، قالت لي يوما: ما يحزنني أن أبي لن يرى سورية ولم يكن لجسده مكان فيها، انتهت مأساة والدها ليبدأ مرض أمها ويستمر التنقل للعلاج، لتنتقل للكويت. آخر ما كتبت صديقتي بثينة في تويتر قبل أيام عن وضع أمها شفاها الله: (الطبيب الهندي ليس هناك أمل! الطبيب المصري: كان الله في عونها وعونكم، الحالة حرجة! الطبيب الروسي: إنها تقاوم، تبدو لي محاربة قوية! أمي..)
أم بثينة تشبه سورية أو أم بثينة هي سورية، وتمثل كل الخارجين منها للبحث عن الحياة الممكنة خارجها؛ لا نملك لهم كشعوب إلا الحب والدعاء، ولكن من المهم أن يظهر موقف عربي يوقف نزيف الدماء، فالإرهاب الحقيقي أن تجبر على ترك أرضك لتغرق أو تمرض، أو تبقى لتقع عليك القذائف من كل مكان وما يخطئك يصيب أخاك أو أباك أو ولدك ولا تجد من يعينك! قلوبنا معك يا سورية العظيمة.
&