&عصام عبدالله&


لا تخرج معظم التحليلات السياسية، منذ أن بدأت الضربات الجوية الروسية ضد مواقع داعش في سورية عن التفكير بعقلية الحرب الباردة أو الثنائية القطبية قبل عام 1989، ذلك أن التدخل العسكري الروسي أنهي مرحلة الصراع الإقليمي عبر الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط، لتبدأ مرحلة انتقالية جديدة يمكن أن تسمى "ما بعد الصفقة النووية"، تحسم فيها الملفات العالقة من أوكرانيا وحتى بحر الصين في آسيا والمحيط الهادئ، والإرهاب في الشرق الأوسط، ما يعني أن هناك تحولات سياسية واستراتيجية، إقليمية وعالمية، قد بدأت بالفعل.
ما يحدث في سورية يمكن أن يغير بشكل جذري حسابات مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين في المنطقة، وقد تأخر الدور الروسي في سورية ثلاث سنوات كاملة، لحسم قضيتين تحملان مخاطر حقيقية: الاتفاق النووي مع إيران، والاتفاق حول منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا.


على الهامش


على هامش قمة الأمن النووي في سول، "أبريل عام 2012 " صرح الرئيس الأميركي أوباما بأنه سيكون أكثر مرونة في حل القضايا الصعبة مع روسيا، خاصة الدفاع الصاروخي، إحدى القضايا الشائكة المتبقية منذ مرحلة الحرب الباردة، وهو تحول جديد في العلاقة بين القوتين، أكد أن روسيا التي كانت العدو رقم واحد لأميركا قبل عام 1989، أصبحت شريكا رئيسا لها، وتلك هي الحقيقة الغائبة التي تتوه وسط غبار الأحداث وسخونتها.


وكان انتخاب فلاديمير بوتين عام 2012 هو الحدث الأكثر أهمية للشراكة بين الدولتين منذ عام 1990، واعتبرت ولايته الرئاسية الجديدة "2012 – 2018" استمرارا لهذه الشراكة، حيث شارك مع الأميركان على مدى عقدين في المفاوضات حول انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.


شراكة


أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تعتبر روسيا في مقدمة الشركاء الاستراتيجيين، فيما يخص المصالح الأمنية في نصف الكرة الأرضية الشمالي، حيث تستخدم الطرق الروسية والسكك الحديدية والمجال الجوي لنقل أو سحب أكثر من نصف تعداد القوات الأميركية والإمدادات العسكرية اللازمة لجهود حلف "الناتو" في أفغانستان وشرق آسيا، وروسيا هي الممر الآمن للأسلحة والذخيرة التي لا يمكن أن تترك للجيش الأفغاني أو تقع في أيدي المتمردين. وأخيرا، فإن روسيا لاعب محوري في القضايا العالمية وأهمها الأمن النووي، سواء كان ذلك متمثلا في منع الانتشار النووي، أو تعزيز سلامة وأمن المواد النووية، أو اتخاذ خطوات معقولة للحد من الترسانات النووية المتضخمة، وتجنب احتمال حدوث سباق تسلح في المستقبل.


زعزعة الاستقرار في العالم


يخطئ من يتصور أن "بوتين" ومجلس الدوما الروسي اتخذا قرارهما بالتدخل العسكري في سورية فجأة، وذلك وفقا لمؤشرات عديدة.
ويؤكد موقع "ديلي بيست" الأميركي أن بوتين تدرج عبر ثلاث سنوات "2012 – 2015" حتى فرض نفسه في مركز اللاعب المحوري في الجهود الدولية الرامية للقضاء على تنظيم داعش. ناهيك عن التعاون العسكري الروسي الأميركي الذي يجعل من الصعب على واشنطن المطالبة برحيل الأسد الآن، كما يقول المحلل في معهد دراسات الحرب بواشنطن، كرستوفر هارمر، فقد تغيرت استراتيجية الولايات المتحدة، وأصبحت تعتمد على روسيا لتسوية النزاع في سورية.


كما أن توصل روسيا والولايات المتحدة إلى صيغة مقبولة، وصفقة متوازنة، فضلا عن التوصل إلى اتفاق مع حلف الناتو حول منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا، وأن هذه الدرع الصاروخية ليست موجهة ضد روسيا، ولن يقوم الحلف بتدمير الصواريخ الباليستية الموجودة في أوروبا لدى روسيا، ويصل مداها إلى أكثر من ألف كيلومتر، وأن الولايات المتحدة على استعداد لطمأنة موسكو بإعطاء ضمانات خطية، تؤكد أن هذه المنظومة لا تمثل خطرا على روسيا. وكذلك فإن المخاطر الجيوسياسية التي لم تأخذها روسيا والولايات المتحدة في الحسبان، حتى الآن، هي أن الصفقات العالمية لن تكون فقط على حساب الشرق الأوسط، ولن يدفع اللاعبون الإقليميون في المنطقة ثمنها وحدهم، ذلك أن الحريق الذي شب في المنطقة سوف يزعزع استقرار العالم كله بطرق عديدة.

التطرف ينتقل إلى أوروبا وأميركا


يؤكد الأستاذ في كلية جامعة نيويورك لإدارة الأعمال، نورييل روبيني، الرؤية السابقة عبر ملاحظات أساسية، فهو من ناحية يؤكد أن بعض هذه الصراعات قد يؤدي حتى الآن إلى تعطل الإمدادات الفعلية، كما في 1973، 1979، 1990. ومن جهة أخرى فإن تحول الملايين من أبناء المنطقة إلى لاجئين، سيؤدي إلي زعزعة استقرار أوروبا اقتصاديا واجتماعيا.
كما أن خلق جيل جديد من المتطرفين اليائسين سوف يشق طريقه إلى أوروبا والولايات المتحدة لشن هجمات إرهابية.
ويشير روبيني في النهاية إلى تجاهل الغرب معالجة مشكلات المنطقة إلا من خلال الوسائل العسكرية، وأن الولايات المتحدة أنفقت ترليوني دولار أميركي في حربها في أفغانستان والعراق، ما أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار، بدلا من الاعتماد على الدبلوماسية والموارد المالية لدعم النمو وخلق فرص العمل، وهو ما أدى إلى أن أصبحت المنطقة أكثر سوءا.