& الياس الديري

&هل في الأجواء السياسيّة ما يوحي بمحاولة جديدة للبننة الاستحقاق الرئاسي وسط هذه البراكين المتفجرة حوله وبعيداً منه، وهل تنحو الحوارات الرئاسيّة التي يقودها الرئيس نبيه بري في هذا الاتجاه؟

لقد سبق للبنان أن خاض معركة لبننة الاستحقاق ذات يوم من صيف 1970 وسجّل نجاحاً دُقَّت له الأجراس، وأشادت به العواصم الكبرى، ووجّهت تحيّة خاصة إلى الإرادة الوطنيّة التي تمكّنت من إنجاز تجربة كانت الأولى من نوعها... والأخيرة.
فبعد فوز الرئيس سليمان فرنجيه بأكثرية صوت واحد اعتبره غسان تويني في افتتاحيته التاريخيّة "صوت الشعب"، لم يتمكن لبنان من الانتقال إلى مرحلة اللبننة الكاملة... ولا حتى تكرار التجربة اليتيمة مرّة أخرى.
لا تعني تجربة اللبننة تلك أن النفوذ الخارجي لم يكن موجوداً يومها وساعتها ولحظتها، إنما على رغم ذلك استطاعت الإرادة الوطنيّة أن تثبت وجودها، وتنتج فوزاً عظيماً لا يزال مضرب مثل إلى يومنا هذا: إنّ فيكم إرادة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ.
أعتقد أن بعضهم سيبادر حالاً إلى القول إن في ذلك الزمن الجميل، وذلك اليوم، وتلك الساعة، لم يكن لإيران كل هذا النفوذ سواء في لبنان، أو سوريا، أو العراق، أو اليمن، على سبيل المثال.
كذلك الأمر بالنسبة إلى سوريا التي حكمت وتحكّمت بالوضع اللبناني مباشرة ومداورة، ومن داخل وخارج، طوال عقدين ثلاثة.
إنما كانت هناك "إرادات" دوليّة ذات نفوذ لا يقاوم. مع ذلك، ومع كل ما كانت تتمتّع به الشهابيّة و"النهج" و"المكتب الثاني" من نفوذ وتأثير مباشرين في الحياة السياسيّة وفي كل الميادين، استطاع الصوت الواحد أن يغلب كل المتدخّلين وكل المداخلات، وأن يهدي إلى لبنان انتخابات رئاسيّة لبنانيّة مئة في المئة، يمكن إيقاظ تجربتها دائماً ومحاولة تكرارها، وإن كانت حالات الزمان على لبنان شتّى...
ربما استناداً إلى زمن "الصوت الواحد" يقول السفير الألماني في بيروت إنه مقتنع، وكذلك حكومته، بأنه "إذا ما أراد القادة اللبنانيّون الاتفاق على حلول، وإذا ما وقفوا معاً، لا يمكن أيّاً من "اللاعبين" الذين يتمّ ذكرهم في شكل دائم أن يعارض". إنها قضايا، واستحقاقات، ومشكلات لبنانيّة، ويجب إيجاد حلول لها في لبنان.
لكنّ في الأمر دائماً وأبداً "إذا" الشرطيّة: إذا أراد القادة، إذا وقفوا معاً، إذا اتفقوا، إذا صمّموا على إنقاذ لبنانهم، إذا...
وهذه الـ"إذا" هي لبُّ المشكلة وجوهر المأساة اللبنانيّة التي "تتجلّى" بالفراغ الرئاسي.
الرئيس حسين الحسيني ينبّه في حديثه إلى "النهار" إلى أن المهمّ بقاء الكيان اللبناني، تبدأ القصة بأزمة حكومة، تتطوّر إلى أزمة حكم، وإذا طالت تصبح أزمة نظام...
الخوف والخطر الأكبر أن نكون مشرفين على أزمة كيان.