غازي العريضي

نجم الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة كان الرئيس الإيراني حسن روحاني. النجم الاستثنائي في دورة هذا العام كان القيصر الروسي فلاديمير بوتين. في الدورتين كان حضور الرئيس «الأول» و «الأقوى» في العالم عادياً! العام الماضي خطف الأضواء روحاني. وفي العام الحالي تقدّم بوتين مبادراً قوياً واثقاً والموضوع الأســاس سوريا.

&

وعندما نقول سوريا، نقول المنطقة العربية، بسبب تأثيرات أزمتها على المنطقة كلها! وأضيف إليها هذا العام أزمة اليمن. المهم، مسرح نيويورك، وكواليسه كان عنوانه: سوريا، مصيرها، مصير الأسد، وروسيا ودورها في ذلك. اللاعبان الأساسيان، الأول اليوم روسيا والثاني أميركا، بينهما إيران، أما العرب فغائبون مشتتون، كلٌّ يغني على ليلاه، لم يكن ثمة فكرة عربية جديدة، أو مبادرة عربية، أو صوت عربي فاعل، أو مسموع على الأقل في مجريات الأمور في بلادنا. سوريا غائبة كدولة لكنها مطروحة كقضية. الذي يتحدث عنها وباسمها ومن على أرضها وفوق منبر الأمم المتحدة: روسيا وامتداداً إيران، لكن الحضور الروسي اليوم هو الأهم والطاغي.

الرئيس المصري تحدث عن مواجهة الإرهاب، وعن ضرورة أن يشمل السلام بين مصر وإسرائيل دولاً عربية أخرى، وإسرائيل تدنِّس المسجد الأقصى، تريد تقسـيمه تمهيداً لتدميره، وبناء الهيكل مكانه، وتدير ظهرها للسلام مع الفلســـطينيين، فكيــف يكون سلام مع العرب الآخرين؟ والملك الأردني طرح مواجهة «الخوارج» و«الإرهابيين»، وعبَّر عن ضيق من السياسة الإسرائيلية في الأقصى، وعن مخاوف من الوضع في سوريا في ظل الحديث عن «بقاء الأسد» لفترة انتقالية، والتركيز على الحل السياسي الذي يحفظ الدولة ومؤسساتها!

قطر دعت إلى حوار خليجي - إيراني، مشروط بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومن دون وساطة أحد - هذا كان يجب أن يتم منذ فترة طويلة - أمر جيد حصوله في أي وقت، والأهم أن يكون لدى المعنيين رؤية واحدة واضحة، وأن يعرفوا ماذا يريدون، ويقولوا ما يريدون ويخططوا فعلياً للوصول إلى ما يريدون سواء نجح هذا الحوار وهذا ما أتمناه أم لم ينجح! كل قضايانا مطروحة على الطاولة والمفاوضون باسمها وعنها، ولكن لهم وليس لنا هم الآخرون. والبارزون اليوم روسيا- أميركا- إيران.

حتى أوروبا تراجع دورها بسبب السياسة الأميركية تجاه سوريا ومع إيران. وفي الأيام الأخيرة وقع تباين كبير بين الدول العربية الأساسية المعنية مباشرة بموضوع سوريا وبين الأوروبيين. قطر والسعودية على موقفيهما الحاسمين تجاه رفض أي دور لبشار الأسد، والأوروبيون بدؤوا مع الأميركيين يقبلون بفكرة دور لفترة انتقالية بعد التدخل الروسي.

أما الرئيس الأميركي فقد مارس الازدواجية والتضليل والتجاهل ولا يأبه لمواقف العرب، لا يحترمهم للأسف، ويقول في مؤتمر مكافحة الإرهاب: لم تدع إيران إليه لأنها «دولة راعية للإرهاب». يحاول بيع هذه الورقة للعرب، لكن في المؤتمر ذاته يقول: «مستعدون للتعاون معها في محاربة داعش والإرهاب»! كيف تكون دولة راعية للإرهاب وفي الوقت ذاته شريكة في محاربته؟ غريب! هذه أيضاً مزحة ثقيلة واستخفاف بعقول الناس. تجاهل بالكامل الحديث عن فلسطين.

وكم من الوعود والتمنيات أطلقها من على المنبر ذاته؟ فأيــــن تبخرت؟ في وقت تجتاح فيه إسرائيل الأرض وتبني المستوطنات وتهدد المقدسات وتوفر لها الإدارة الأميركية كل الدعم! اعترف أوباما بفشل سياسة بلاده مع كوبا. وفشل العقوبات عليها وعلى إيران في حديثه عن الاتفاق النووي معها. فلماذا يستمر في السياسة ذاتها بفرض عقوبات على روسيا؟ التي لم يأبه لها بوتين وفرض أمراً واقعاً في سوريا جرَّ كل الدول إلى التعامل معه بتهيُّب! ثم يعترف متأخراً بأن أميركا لا تستطيع وحدها حل مشاكل العالم، وقــــد «تعلمنا درساً قاسياً في العراق على حساب الآلاف من الجنود وتريليونات الدولارات، لا يمكن فرض الاستقرار ما لم نعمل مع الدول الأخرى تحت عباءة القانون والمبـادئ الشرعية».

يردُّ الروسي: هل هذا ما فعلتموه في ليبيا؟ وفي مواجهة «داعش»؟ وفي سوريا؟ أليس هذا ما نطالبكم به وأنتم تتجاهلون نداءاتنا وتتجاوزون الشرعية الداخلية في هذه الدولة أو تلك والشرعية الدولية عموماً؟ ويذهب الروسي إلى بناء تحالفه: 4+1. العراق روسيا إيران سوريا + «حزب الله». في وجه التحالف الدولي بقيادة أميركا لمواجهة «داعش» وثمة تحالف عربي بقيادة السعودية لمواجهة «الحوثيين» وحلفائهم في اليمن! ويتقدم الروسي ميدانياً في سوريا. إنها فوضى تحالفات، والعمل جارٍ لتنسيق العمل في «السماء»، كي لا تكون اصطدامات، وحمَّامات دم على الأرض!

وأوباما يؤكد: هزيمة «داعش» غير ممكنة إلا بعد أن يترك الأسد السلطة. كان يقول الأولوية لـ«داعش» اليوم يقول: هذه الأولوية لا تتحقق إلا بعد أن يترك الأسد. يعني الأولوية لأن يترك الأسد! وهو لم يفعل شيئاً! أي أوباما نصدق؟ ذاهبون إلى حفلات جنون ودم مكلفة جداً في سوريا وإلى مزيد من التمزق في المنطقة.
&