الياس حرفوش

أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية شريكاً في الحرب السورية إلى جانب فلاديمير بوتين. أصدرت الكنيسة بياناً باسم البطريرك كيريلوس أعلنت فيه دعمها الغارات التي تنفذها المقاتلات الروسية في سورية، واعتبرت أن الحرب التي يقول بوتين إنه يخوضها ضد الإرهابيين، هي «حرب مقدسة»، وأضاف البيان أن «بلادنا اليوم هي أكثر قوة في العالم تحارب الإرهاب».

&

هناك قدر كبير من المبالغة والتجني عند إطلاق صفة «القداسة» على غارات تنفذها الطائرات الروسية من الجو، وتقتل بين من تقتلهم أشخاصاً أبرياء. فـ «تقديس» حرب بوتين في سورية، التي تهدف إلى دعم نظام بشار الأسد الطائفي الذي قتل 300 ألف على الأقل من أبناء شعبه، لمجرد مطالبتهم بالإصلاح وبتغيير النظام، لا يمكن أن يفهم منه معارضو الأسد، وهم أكثرية السوريين، ومن يؤيد مطالبهم في المنطقة، سوى أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية قررت أن تضع نفسها في موقع العداء لهم، إذ تبنّت التصنيف الذي يعتمده الأسد وحليفاه الروسي والايراني، الذين يرون أن كل معارض في سورية إرهابي بالضرورة.

&

موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية يجعلها طرفاً في حلف سياسي وطائفي في المنطقة، أصبح معروفاً بـ «حلف الأقليات»، وهو الشعار الذي ابتدعه النظام السوري لإظهار نفسه وكأنه الضحية في «البحر» السنّي الكبير. وينسى هذا النظام، الذي يشكو اليوم من معاملته كأقلية، أنه كان نظاماً أقلوياً على مدى أربعة عقود، ولم تكن هناك مشكلة مع هويته المذهبية، قبل أن يبدأ بقتل شعبه بدعم من الايرانيين، ويحوّل سورية إلى موقع لنفوذهم وتمددهم في قلب العالم العربي.

&

من حق الكنيسة أن تعتبر الحرب على تنظيم «داعش» حرباً يجب خوضها لإنقاذ المنطقة من هذا الوحش الفالت. وهذا في كل حال ما تراه أكثرية المسلمين، الذين يعانون من خطر «داعش» ومن الصورة المسيئة لدينهم التي تنشرها هذه المجموعة الإرهابية حول العالم. غير أن بوتين لم يذهب إلى سورية لمحاربة «داعش» كما يزعم. إنه في سورية لإنقاذ نظام شارف على الانهيار، ولم تعد أسلحة ايران وميليشياتها وأموالها تنفع في إنقاذه، فكان لا بد له من اللجوء إلى خشبة الخلاص الروسية الأخيرة. كما أن همّ القضاء على «داعش» هو آخر هموم النظام السوري. فلو كان بقاء هذا التنظيم يقلق نظام بشار الأسد لكانت طائراته وبراميله المتفجرة فعلت في الرقة، المقر الرئيسي لـ «داعش»، ما فعلته من تدمير وخراب ومجازر في حلب وحمص وحماة وفي غوطة دمشق، وفي كل مكان آخر ارتفعت فيه أصوات المعارضين.

&

ما يفهمه معارضو بشار الأسد من موقف الكنيسة الروسية هو دعمها السياسي المطلق لهذا النظام ضدهم. غير أن من الإنصاف الإشارة هنا إلى أن الكنيسة الروسية لم تكن الوحيدة التي أيدت قرار بوتين، بل شاركتها كذلك هيئات إسلامية مثل الإدارة الروحية المركزية للمسلمين في روسيا التي أيد رئيسها طلعت تاج الدين غارات الطيران الروسي، إضافة إلى موقف الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الذي اعتبر تدخل القوات الروسية ضرورياً لمحاربة الإرهاب. وهو ما يمكن أن يعني أن هذه الهيئات ربما أُرغمت على إعلان المواقف المؤيدة التي اتخذتها.

&

غير أن ما يثير القلق في موقف الكنيسة الروسية هو أنه يمكن أن يفتح الباب أمام صراع ذات طابع طائفي مسيحي إسلامي، منطقتنا هي في غنى عنه بالتأكيد. خصوصاً أنه يُظهر المسيحيين في صورة الداعمين لجرائم النظام السوري والمتحالفين مع من يرتكبونها. ومن هنا، وبصرف النظر عن مبررات الكنيسة الروسية في اتخاذ موقفها الداعم لبوتين، فإن هناك حاجة أن يقول رجال الدين المسيحيون في منطقتنا كلمة حق في شأن ما يرتكبه النظام السوري، أو على الأقل أن يتجنبوا السير وراء الكنيسة الروسية في موقفها، الذي لا يمكن أن يقال فيه سوى أنه موقف متزلف لحكم بوتين ومجافٍ لحقيقة ما يجري في سورية.
&