شتيوي الغيثي

لو أننا تتبعنا تطور الخطاب الجهادي الذي يتكئ عليه تنظيم داعش حاليا، فإن جذوره تمتد إلى بدايات الحديث حول الجهاد عند التنظيمات الإسلامية، فهو تطور طبيعي لعنف الظاهرة الدينية؛ عند السلفيات الجهادية

&


منذ تشكل الحركات والتنظيمات الإسلامية، وهي تروج لفكرة الجهاد سواء ضد الأنظمة الغربية أو العربية بوصفها حليفا للأنظمة الكبرى، لكن تبدو الظاهرة الداعشية أكثرها عنفا، مما جعلها ظاهرة مرفوضة حتى عند الخطابات الإسلامية الأخرى، رغم تقاطعها معها في الرؤية الجهادية حتى أصبحت طافحة في غرابتها عند عدد كبير من المجتمع العربي والسعودي تحديدا؛ خاصة أن عددا من المنتمين إلى هذا التنظيم هم من الشباب السعودي، فمازالت هناك انتماءات عديدة وإعلان البيعة لأبي بكر البغدادي من عدد من الشباب السعودي، فضلا عن عملياتهم داخل السعودية، والغرابة لا تأتي من فكرة المجال الفكري بل في مدى عنفها وطريقة عملياتها التي تتفنن بها تصويرا وترويجا، لكن تبقى المعطيات والمرتكزات بين التيارات الإسلامية متقاربة إلى حد كبير، لكن الاختلاف ينشأ من مدى إنزالها على الواقع وتطبيقها، فلا تختلف داعش عن عموم التنظيمات السياسية الدينية إلا في حدتها على أرض الواقع؛ إذ إن غالبية التيارات الإسلامية "إلا تلك التي تصالحت مع قيم الحداثة وهي نادرة"، تحاول أن تضع مشروعها الفكري والديني بديلا عن المشروع السياسي الذي قامت عليه الدولة العربية الحالية في حدودها الإقليمية؛ إذ تناهض هذه الأصوليات المشروعات السياسية القائمة، وتضع مشاريعها بديلا عن المشروع الأساس، وربما كان هذا بسبب ضعف المشروع الوطني المطروح من الدول العربية، خاصة لدى تلك الدول التي قامت على مشروع القومية أكثر من غيرها كونها قامت على الرؤى الأيديولوجية النضالية أكثر من المشروع التنموي؛ لذلك تطرح الأصوليات الحركية نفسها كنوع من ردة الفعل المضادة لهيمنة الحزب الحاكم حتى أصبحت هذه الأصوليات مؤثرة على الاستقرار السياسي في غالبية الدول العربية، وجميعها تتكئ على فكرة الثورية والانقلاب الراديكالي، ومن هنا تنشأ وتتكرر بؤر التوتر السياسي في هذه الدول، كما أن الشعارات التي قامت عليها إنما هي شعارات مثالية لم تطبق على أرض الواقع كالديموقراطية التي كانت تنادي بها بعض الدول العربية، ومع انهيار المشروعات العربية وإقناعها يظهر القبول لمثل هذه التنظيمات بوصفها تنظيمات "طوباوية" تقوم على المعطيات الدينية التي يقوم عليها غالبية المجتمع العربي مع اختلاف بين مجتمع ومجتمع في الحدة، والانخراط الكبير في داعش يجعل الحديث حولها، بوصفها أكثر التنظيمات عنفا، متساوقا مع قبول الفكر الذي تحمله غالبية التيارات السلفية الجهادية التي تنتشر في طول البلاد العربية.


ولو أننا تتبعنا تطور الخطاب الجهادي الذي يتكئ عليه تنظيم داعش حاليا، فإن جذوره تمتد إلى بدايات الحديث حول الجهاد عند التنظيمات الإسلامية، فهو تطور طبيعي لعنف الظاهرة الدينية؛ إذ كانت السلفيات الجهادية تدعو إلى الجهاد بشكل عام دون تخصيص نوع العدو، أي جهاد أعداء الأمة، وهو خطاب عام لتحريض الشباب على الجهاد بمعنى التعبئة النظرية، لكنه ذهب أثناء الجهاد الأفغاني إلى تخصيص الشيوعية بوصفها العدو الأكبر حتى صار طريق تحرير القدس يبدأ من أفغانستان؛ بمعنى تشكيل الأمة الإسلامية أو الشباب المجاهد، ومنه تطور عقب أحداث الجهاد الأفغاني إلى تخصيص أميركا بوصفها الشيطان الأكبر؛ لكونها أعادت النظر في مساعدة الأفغان وأحداث الخليج وغزو العراق، فتحولت من الصديقة إلى العدو الأكبر، ومنه شكل الشباب في المعسكرات العربية في أفغانستان تحالفا بين أيمن الظواهري وأسامة بن لادن لمحاربة اليهود والنصارى، وتم تحديد العدو في محاربة المواقع الأميركية الدولية سواء في الداخل العربي أم في خارجه، حتى توجت هذه الحرب بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكذلك مهاجمة الأميركان في السعودية، وحتى ذلك الحين كان عدد كبير من الشباب السعودي ينظر إلى جهاديي القاعدة بوصفهم شبابا مجاهدا حتى تحول الأمر لاحقا إلى قتال رجل الأمن السعودي، فتراجع معظم الشباب عن تأييدهم، وبعد غزو أميركا للعراق انتقل العديد من الشباب السعودي إلى الجهاد في العراق، وحتى تلك السنوات لم يكن تصوير القتلى مشاعا حتى بدأ أبو مصعب الزرقاوي في قطع الرؤوس وتصويرها وبثها، فصعدت الحالة درجات أعلى من العنف ثم جاءت الثورات العربية ليرتحل عدد كبير من الشباب العربي إلى مواطن التوتر في سورية والعراق، لينقسم الجهاديون ما بين النصرة وداعش لتكون الغلبة في جانب داعش على حساب النصرة، برغم اشتراكهم في الأرضية الجهادية القاعدية، ثم يتوج أبو بكر البغدادي ذلك بإعلان الخلافة لتدخل داعش في مرحلة التنظيم المتمدد داخل الدول، ومن ثم الدعوة إلى البراءة حتى من الأقارب، والفتاوى التي تجيز قتل الأقارب الذين ينخرطون في الأمن أو الجيش السعودي، ليصل الأمر إلى ما سماها الكاتب خلف الحربي مرحلة "تكفى يا سعد" إشارة إلى قتل أحد الدواعش ابن عمه وتصويره في أول أيام عيد الأضحى، ورجاء ابن عمه له وسقوط المروءة من الداعشيين، وهي المرحلة التي صدمت المجتمع السعودي، رغم أن التطور من الجهادية في محاربة أعداء الأمة والشيطان الأكبر إلى قتل الأقارب.


إن الأسس الفكرية التي تنظم الخطاب الداعشي تكاد تنطبق مع غالبية الخطابات الدينية التي يحملها معظم المتطرفين في الداخل السعودي أو خارجه، وهي منظومة واحدة تختلف في مسألة التطبيق على أرض الواقع، فظاهرة التكفير مثلا على الرأي أحد أكثر الأمور المقلقة في الخطابات الدينية، كما أن الموقف من المذاهب الأخرى يكاد يكون عنيفا وعشوائيا في التصنيف، إضافة إلى مفاهيم جهاد الدفع والطلب، وفكرة ولاية المتغلب، ومفهوم الخلافة الذي يكاد يكون أحد أهم المحاور التي تشترك فيه غالبية التيارات الإسلامية حتى التي تدعي الاعتدال والوسطية، وقليل من يتجاوزها "وهي تلك التي تصالحت مع قيم الحداثة كما قلت أعلاه"، وعلى ذلك يصبح التحول من الجهاد ضد أعداء الأمة يذهب منذ البداية إلى قتال من لا يتفق مع الخطاب الإسلامي العام عند هذه التنظيمات حتى من داخل الصف العربي والإسلامي، لكن اللغة كانت عائمة وغير محددة حتى كانت أكثر وضوحا مع "داعش" ونظيراتها.
&