فـــؤاد مطـــر
&&
انتهى موسم الحج الذي كنا نتمنى أن ينتهي على نحو ما يريده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مبروراً لكل آتٍ من فج عميق، يحل ضيفاً على بقاع مقدسة ويَلقى خير عناية، ويعود كل حاج إلى بلده حامداَ شاكراً ممتناً.
الشكر لله، والامتنان للقيادة السعودية الرشيدة التي وضعت كل الإمكانات التي توفر الراحة والأمان والسلامة للمليون ونصف المليون مسلم الآتين من بلاد العالم، لتأدية الفريضة التي تصادف للمرة الأولى في ظل الملك سلمان بن عبد العزيز وقد بات خادماً للحرمين الشريفين وملكاً سادساً بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز الذي حلت قبل أسبوع من بدء موسم الحج الذكرى الخامسة والثمانون ليوم تأسيسه المملكة الصامدة.
والذي يحدث أن كل ملك، يحرص على إضافة المزيد من الاهتمام لما سبق أن حققه إخوانه من قبل وبالذات منذ أن بدأت مشاريع التوسعات والتطوير مع الملك فهد بن عبد العزيز ثم تَزايَد التطوير في زمن الملك عبد الله رحمة الله عليهما، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يضيف المزيد من التطوير. وإستناداً إلى ما ينويه ويتطلع إليه، فإن هنالك الكثير في برنامجه من خُطط التطوير للأماكن المقدسة، ويسعى الملك سلمان جاهداً إلى أن يؤدي خير واجب كخادم للحرمين الشريفين المحاطين بكل اهتمامه مثل اهتمام إخوانه الذين سبقوه.


وعندما يكون هذا هو الحرص، الذي هو ديدن هذا الإنسان المرهف إيماناً وإخلاصاً لأمتيه، فإن المرء يستهجن أن يكون هنالك مَن لا يتوقف عند الإنجازات المبهرة التي تحققت للحرمين الشريفين ملكاً بعد ملك، وإنما عند حادثة قضى فيها عشرات من الحجاج بين قتيل وجريح بفعل التدافع وحالة الازدحام، وعدم تقيد بعض الحجاج بالضوابط في أمور الحج المليوني.


وهؤلاء الذين سارعوا إلى تسجيل اللوم والغيرة على أرواح الناس، يعيش بعضهم حالة ضيق في النفس، لأنه نتيجة تعكيره صفو العلاقات لا يحج كما بقية المؤمنين، ولا حتى يؤدي العمرة، وفي الوقت نفسه يطلق للسانه العنان لكي يقول من غليظ الكلام، ما لا يُستحَّب قوله، فضلاً عن أن هذا الكلام الذي قاله بالذات المرشد الإيراني علي خامنئي يندرج ضمن الهدف البعيد المدى للمشروع الإيراني، وهو وضْع اليديْن أو إحداهما على الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. أما الذي يقوله الأمين العام ﻠ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، فلا يعدو كونه تناغماً مع كلام المرشد. وعندما لا يجد المرشد ما يقوله إزاء حادثة «منى» الناشئة عن التدافع سوى عبارة «إن للعالم الإسلامي الكثير من التساؤلات، وعلى حكام السعودية الإقرار بالمسؤولية، وعدم التنصل من مسؤولياتهم عن الكارثة بتوجيه الاتهامات للآخرين والمبادرة للاعتذار من العالم الإسلامي» فإنه بذلك يوظِّف بطلقات كلامية، حادثة يمكن لدواعي الازدحام والتدافع حدوثها، للكيد من السعودية رداً على إفشالها المخطط الحوثي في اليمن. وكان مأمولاً أن يأخذ المرشد وبالتالي السيد حسن في الاعتبار تلك العناية الصحية للألوف الذين يؤدون الفريضة والتسهيلات والسهر على تأمين راحة الحجاج وتنقلاتهم، وكذلك التوسعات المستمرة والقطار السريع بين المشاعر.
وأما دعوة السيد حسن نصر الله إلى «لجنة تحقيق»، وإبداء الأسف على حادثة تدمي القلوب، فإنه لا أحد يزايد على الملك سلمان بن عبد العزيز في مشاعره الإنسانية قبل كل شيء، وفي موضوع التحقيق البعيد عن المسايرة في أي حادث مأساوي يحصل مثل حادثة سقوط الرافعة، أو حادثة تدافُع ألوف الحجاج في منى من دون مراعاة السير بهدوء المؤمنين.
وما نقوله تعليقاً على ما سمعناه من مرشد إيران علي خامنئي سمعْنا مثيله من نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي المحافظ الحاكم في تركيا، الذي قال إن تركيا «يمكن أن تُنظَّم الحج بشكل أفضل من السعودية، ومن دون أن يصاب أحد بأذى ...» مضيفاً القول «هل يمكننا أن نتحدث عن القضاء والقدر في ما يحدث»؟


وكما الغرض الإيراني من هذا التصويب على السعودية حاضنة الحرميْن الشريفين في معرض «الحزن الذي يدمي القلوب» ومن دون توقُّف الحزن المفتعَل على الذين قضوا وستعوِّض المملكة ذويهم بما يخفف من وطأة الحزن، وعلى الذين يتلقون أفضل العلاج في المستشفيات السعودية، وبحيث يعودون في كامل التعافي والشكر لله على ما أراده لعباده، فإن الغرض التركي المجتزأ واحد. الإيراني عينه على الحرميْن، والعثماني «الإخواني» يأمل تكحيلاً للعينيْن بأن يكون جزءاً من حماة الحرميْن، وهو الذي كاد يضيِّع مصر وأزهرها على نحو التضييع الإيراني – الروسي - الداعشي لسوريا.
لقد كان المسلمون حيث هم في بلاد الله، يتمنون لو كان المرشد خامنئي والسيد حسن ومعهما التركي المغرِّد خارج سرب حزبه، تصرفوا كما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ ومئات المسؤولين في حكومات دول إسلامية ودول أجنبية، الذين هزت مشاعرهم الحادثة المأساوية فأبرقوا معزين خير تعزية إلى الملك سلمان الذين يعرفون ضمناً أي اهتمام يبديه ومِن قَبْله إخوانه وشعب المملكة تجاه ضيوف الرحمن. ولو أن اتصالاً هاتفياً تم أو برقية تعزية أُرسلت لكان ذوو الحجاج الذين قضوا، أو أولئك الجرحى منهم مرتاحين أكثر من كلام البغضاء والتشفي.
وفي نهاية الأمر لا يصح إلاَّ الصحيح. وهذا واجب كأنه فريضة يؤديها أبناء الملك عبد العزيز خير تأدية من سهرهم على راحة الحجاج.