عبد الرحمن الطريري

الرئيس باراك أوباما حين أصبح رئيساً للولايات المتحدة في كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨، أدرك أنه حمل تركه ثقيلة من سلفه جورج دبليو بوش، على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى سمعة أميركا، وكان تقديره أن استسهال التدخل العسكري المباشر كما في العراق وأفغانستان أمر خاطئ، حتى لو كان الهدف نشر قيم أميركا الديموقراطية أو القضاء على الإرهاب.

&

ولهذا سعى إلى سحب جنوده من أفغانستان والعراق وإغلاق سجن «غوانتنامو»، هذه كانت الأهداف، سواء أنجح فيها أم تعثر، تبعاً لتطورات غير متوقعة على الأرض، على جانب آخر حاول مخاطبة العالم الإسلامي، عبر خطاب مسجل للشعب الإيراني ثم مخاطبة الشعب التركي في نيسان (أبريل) ٢٠٠٩، تلته مخاطبة الشعب المصري في حزيران (يونيو) ٢٠٠٩ من جامعة القاهرة.

&

أوباما أيضاً لا يفعل الكثير ليغير الواقع، هذا على مستوى الفعل والفعل العسكري تحديداً، ويعد الاستثناء الوحيد ليبيا التي تدخل بها عسكرياً، ولكنه أيضاً رفض التدخل منفرداً، واشترط التدخل المشترك عن طريق «الناتو»، وكان تدخلاً يسقط القذافي ويقف عند هذه النقطة؛ لأن الإدارة الأميركية افتقدت الرؤية والإرادة على حد سواء، كما أن المناطق المضطربة أسهل للتعامل معها عن بعد.

&

هذه السياسة التي عبَّر عنها أوباما بوضوح، كانت محل متابعة من بوتين بدقة، سواء أحين كان رئيساً للوزراء أم حين عاد رئيساً للجمهورية، بل إن أوباما قام بمقاربة مباشرة مع روسيا، محاولاً فتح صفحة جديدة في العلاقات، وكان يستخدم أكثر العبارات لطفاً في حديثة مع الرئيس ميدفيدف، بل حاول إزالة كسر الحواجز الرسمية، وتناول وجبة برجر معه أمام الكاميرات.

&

روسيا بوتين جربت أن ترى المدى الذي ممكن أن تذهب إليه أميركا، أو حتى شركاؤها الغربيون مرة في جورجيا وأخرى في أوكرانيا، وكانت ردات الفعل في أقصاها تمثل بعض الضغط الاقتصادي على روسيا، وهو ما لن يردع روسيا مما تراه أمنها الإقليمي، أو حتى ما تراه فراغاً يسمح لها بالتمدد كما هو حاصل في سورية اليوم.

&

التدخل الروسي في سورية اليوم اعتبره بعضهم مقدمة لحرب عالمية ثالثة، وأن سورية ستكون ساحة لحرب روسية-أميركية، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق، فالولايات المتحدة لن تتحرك لردع روسيا من التقدم في سورية وحتى في العراق، وهذا عطفاً على سياسات أوباما كما ذكرنا، كما أن روسيا لا تنوي إيذاء إسرائيل، بل هي تنسق معها العمليات منذ اليوم الأول.

&

صحيح أن إعلان بغداد وصول الخبراء الروس إلى العراق، كان أمراً مؤلماً للسياسيين الأميركيين، والذي مثل تأكيداً آخر على أن حلفاء أميركا غير واثقين بها تماماً، أو لنقل أن حليفاً آخر لم يعد مضمون الولاء؛ لأن الجميع يتشكك في أوباما، وهذه الحادثة تكررت بين أميركا والعراق، حين رفض البرلمان العراقي بقاء القوات الأميركية مع منحها حصانة من الملاحقة القانونية.

&

روسيا حاولت أن تقدم كل المسوغات المنطقية في تصريحات مسؤوليها، من حرصها على التصدي لتنظيم داعش والقضاء على الإرهاب، إلى تضخيم عدد العناصر الروسية في هذا التنظيم، وكذلك تأكيدها على أن حربها ضد الإرهاب في سورية خير من حرب الإرهاب على أراضيها، ولكن الغرب، وتحديدا أميركا، يعتقدون أن الروس كاذبون والعكس صحيح.

&

لهذا تهدف روسيا إلى عمليات في المدى المنظور، من ثلاثة إلى أربعة أشهر تسمح بتعديل الوضع قليلاً على الأرض، كما صرح بذلك رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السوري، وأعني إنقاذ نظام الأسد وليس بشار الأسد من السقوط، ولا مانع من تحقيق أهداف جيوسياسية لروسيا، مع تحميل الفاتورة لطهران، التي تدرك أن خسارة سورية تعني انتهاء حلم الإمبراطورية.

&

إذنْ التحرك الروسي يهدف إلى تغيير سريع على واقع الأرض، لتكون روسيا أو الجالسين على طاولة تقرير مستقبل سورية، روسيا تحاول صنع موازنة صعبة عبر تحركها العسكري، مع الحرص على عدم إغضاب السعودية وبقية الدول العربية، وأوباما يستمر في امتهان السلبية عبر وعيد روسيا بأن سورية ستكون مستنقعاً لها.

&

أميركا لن تتحرك أكثر من دعم بالسلاح والتدريب لبعض الفصائل المعارضة، حتى لا تكون الحياة سهلة للروس في سورية، عسى أن يؤدي هذا الاستنزاف مع انخفاض سعر النفط إلى انكماش روسيا عنوة، روسيا كما صرحت لن تسمح بتكرار مصير صدام والقذافي لبشار الأسد، وهو ما معناه أنها لن تخدع للمرة الثالثة، خصوصاً أن الخدعة الثالثة تعني خروجها النهائي من المنطقة.
&