& عيسى الشاماني


هل ياسر البرازي عضو في تنظيم «داعش» الإرهابي»؟ أم أنه مُجند من «شعبة الأمن الصناعي» السوري؟ لا توجد إجابة حاسمة، فبيان وزارة الداخلية السعودية ترك الباب موارباً، ولم يجزم بانتماء المتهم وشريكته الفيليبينية «السبية» ليدي جانج. وإن كان البيان ذاته تضمن إشارات لا يمكن الاستناد إليها في الجزم بانتماء الخلية الثنائية، منها عبارة «الفئة الضالة»، التي عادة ما تستخدم في وصف «المنتمين لـ «داعش» و«القاعدة». بيد أنها تبقى إيحاءات ولا يمكن الركون إليها في الجزم. وإذا كان مصدر مقرب من السوري ياسر محمد شفيق البرازي، الذي أُعلن عن إيقافه أول من أمس، قال لـ»الحياة» أمس: «إن ياسر من عائلة كردية سنية، أصولها من محافظة حماة السورية. وكانت والدته تقيم معه في منزله قبل أن تقرر السفر إلى تركيا قبل أربعة أشهر»، فإن دلائل متواترة أشارت إلى تجنيد البرازي، من قبل تنظيم «داعش» في سورية، بعد أن التقى ممثلين من التنظيم في إحدى المدن السورية، قبل أربعة أشهر، بعد أن عاد إلى موطنه مروراً بتركيا، بصحبة والدته، التي بقت هناك. ولم تعد معه.


وذكرت مصادر إعلامية سورية أن ياسر البرازي ليس من بين المطلوبين إلى أي فرع مخابراتي تابع إلى النظام السوري. وأن كل ما صدر في حقه هو مذكرة «طلب مراجعة» صادرة عن «شعبة الأمن السياسي»، عممت عام 2012، أي بعد دخوله المملكة بعامين. فيما لم يستبعد المقرب من البرازي، أن يكون الأخير تم تجنيده من قبل التنظيم أثناء دخوله الأراضي السورية، لافتاً إلى أن ياسر كان من المقرر أن يلتقي أسرته في محافظة حماة السورية، إلا أنه عاد إلى المملكة بعد شهر من دخوله الأراضي السورية من دون أن يلتقي بأهله.


وذكرت وسائل إعلام سورية معارضة أمس أن البرازي متورط في «سرقة زوايا ألومنيوم»، وأن هذه الجريمة «مكتشفة» وموثقة بمحضر ضبط يحمل الرقم 364، بتاريخ 9/2 لعام 2000، صادر عن مخفر الشريعة في مدينة حماة السورية، بحسب وثيقة صادرة عن المخابرات السورية. وقالت وسائل الإعلام إن «ياسر البرازي من سكان محافظة حماة السورية، ومن مواليد 1984، ومدرج اسمه ضمن أصحاب «السوابق». ورجحت أن يكون «الأمن السياسي» التابع لوزارة الداخلية السورية، استدعى البرازي، لابتزازه وتجنيده.

واذا كانت الآراء تضاربت حول انتماء السوري ياسر البرازي إلى أيّ من التنظيمات، فإن صنع الأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة، اشتهر بين أوساط التنظيمات التكفيرية في سورية (داعش والنصرة)، فيما برز الأول في «سبي النساء»، وهو ما طبقه البرازي على العاملة الفيليبينية الهاربة. ويبدو القدرة على الاندماج في المجتمع، والغطاء الذي عاشه المتهم، لعدم لفت الأنظار إليه خلال الأعوام الخمسة الماضية، يشير إلى تدريب استخباراتي تلقاه البرازي.
فعلى غرار المخابئ السابقة التي استطاعت وزارة الداخلية السعودية كشفها، كان الأخير شبه خالٍ من الأسلحة النارية، إذ لم تجد الأجهزة الأمنية سوى سلاح رشاش واحد وثلاثة مخازن. بينما كانت الأنابيب المخبرية وأواني الضغط والعجائن الصمغية والبراميل التي حوت خلطات كيماوية، هي أصل المضبوطات في ذلك المنزل.
بدوره، رأى الباحث في الشؤون الأمنية أحمد الموكلي أن الخبرات التي أظهرها المتهم تنم عن تدريب استراتيجي وأمني، مشيراً إلى أن تشريك المنزل أعطت صورة عن الاحترافية التي امتلكها المتهم. ولم يستبعد الموكلي احتمالية أن يكون المقبوض عليه يتبع لجهات إرهابية. إلا أنه رجح أن يكون تلقى «تدريبات استخباراتية وأمنية».
من جهته، قال أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب في جامعة القصيم الدكتور يوسف الرميح، في حديث إلى «الحياة»: «من الخطأ استحقار الجماعات الإرهابية في الوقت الحالي، فـ«القاعدة» كانت تحمل الصورة الكلاسيكية للعصابات الإرهابية. ولكن «داعش» تطورت آلاف المرات عن الجماعات الإرهابية السابقة، سواءً في منهجيتها واحترافيتها».
وضرب الرميح مثلاً بـ«القاعدة»، وهي التنظيم «الكلاسيكي» أنها كانت تجند المقاتلين والعاملين لديها من طريق زيارة الأسواق والأماكن العامة، على غرار «داعش»، التي بدأت تجند من طريق الإنترنت، كما تعطي عبره دروساً في التلغيم والتفجير، وبطرق احترافية.
وأكد الرميح أن ياسر البرازي الذي قبض عليه، يحمل «احترافية عالية وقدرة في تفخيخ وتشريك المنزل من الداخل والخارج، ولم يستبعد أن تكون هذه الاحترافية القصوى وصلت إلى تنظيم «داعش».
ومن الناحية النفسية، أكد المتخصص في علم النفس الدكتور نايف الخمشي أن السوري المقبوض عليه في الرياض أول من أمس «استخدم الحيل النفسية من أجل إرضاء ضميره، فيما يتعلق بتحويل العاملة الفيليبينية إلى سبية»، مشيراً إلى أن ظروف بلده، وعدم قدرته على التكيف النفسي في تقبل هذه الظروف قد تكون أحد الأسباب التي دعته إلى الانضمام إلى هذه الجماعات التكفيرية، وقال: «إن مثل هذه الشخصية الهشة نفسياً غالباً ما ينجر وراء أعمال يظن أنها ستشبع رغباته الكامنة في اللاشعور».
يذكر أن الأجهزة الأمنية السعودية نجحت في اكتشاف معمل لصناعة المتفجرات والأحزمة الناسفة والأسلحة في منزل في حي الفيحاء بالعاصمة الرياض، ووكرٍ لتصنيع المتفجرات في حي الجزيرة (شرق الرياض)، يديرهما وافد سوري وتساعده مقيمة فيليبينية، هربت من منزل كفيلها قبل 15 شهراً.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي أمس: «إن النجاح الجديد جاء امتداداً للجهود والمتابعة الأمنية المستمرة لأنشطة «الفئة الضالة» في ضوء إحباط عمليات إرهابية، والإطاحة بالخلايا المكلفة بها، وما نتج من ذلك من ضبط كميات من المواد المتفجرة، ومعملين لتجهيز الأحزمة الناسفة في منطقة الرياض، مطلع تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر) 2015».