عزت ابراهيم
&
النقاش حول أوضاع مصر فى العاصمة الأمريكية يميل فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو الى العصبية فى آراء الباحثين فى مراكز التفكير الكبرى وانحيازات واضحة ضد خيار التغيير الذى خرج من أجله المصريون قبل عامين وليس من السهل اليوم خوض مغامرة السير ضد التيار السائد فى واشنطن وهو لايرى إلا ما يريد أن يراه ويبنى تصوراته على توازنات السياسة الأمريكية ويغلف الاتفاق او الاختلاف مع تلك التوازنات بحدود الاقتراب أو الابتعاد عن قيم الديمقراطية أو حقوق الانسان. قبل أيام، شاركت فى الجلسة الأولى للمؤتمر السنوى الثالث لمعهد الشرق الأوسط حول مصر والذى عقد تحت عنوان «مصر: الحد من المخاطر لاطلاق القدرات» بمشاركة متميزة من خبراء السياسة والأحزاب والمجتمع المدني. بعد السطور الأولى السابقة، تأتى أهمية مؤتمر معهد الشرق الأوسط الذى يحرص على تنويع الأصوات والآراء فى أبحاثه وحلقاته النقاشية ويواكب انعقاده الزخم المصاحب لزيارات زعماء العالم لمدينة نيويورك للمشاركة فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. تميل أصوات المعارضين للمسار السياسى الحالى فى مصر الى الابتعاد عن تفاصيل الواقع والغرق فى توصيفات «تراجيدية» تثير اعجاب الحضور وتسير على منوال التيار السائد وتضيع فرص النقاش الناضج. فى حضور توليفة من الخبراء المصريين والأمريكيين، تحدثت عن انتخابات البرلمان المقبل وامكانية ظهور كتلة جديدة من النواب المستقلين وقلت إن تلك الكتلة أو الأغلبية الجديدة المتوقعة ليس بالضرورة تعمل لصالح السلطة التنفيذية مثلما يتردد فى وسائل اعلام ومراكز بحثية ولكنها يمكن أن تشكل «عبئاً» على مؤسسة الرئاسة نفسها التى ستجد نفسها فى موقف المدافع عن الفئات المهمشة والأكثر فقراً فى ظل التركيبة الحالية قوائم لأحزاب والمستقلين التى يسيطر عليها أصحاب رؤوس الأموال والعصبيات خاصة مع صغر حجم الدوائر وهو رد أثار جدلاً على المنصة خاصة أنه يأتى على عكس ما يقوله البعض من تحالف السلطة وأصحاب المصالح، فالرئيس عبد الفتاح السيسي- من وجهة نظري- لا يحمل ديناً لأحد ويعنيه المواطن العادى فى المقام الأول وهو اختبار لمجلس النواب القادم قبل أن يكون للسلطة السياسية.

أثارت الاجابة فضول مدير الندوة، دويل مكمانوس الكاتب المتخصص فى شئون الشرق الأوسط بصحيفة لوس أنجلوس تايمز، فسأل مجدداً عن انحيازات الرئيس ومايسمى فى الاعلام الغربى بالقمع الأمنى المتزايد، قلت بدورى أن هناك اشكالية فى تعميمات الصحافة الغربية حيال الوضع فى مصر فكل ما يقع عليه أعينهم هو قمع من الشرطة بالضرورة وأن الحملات الأمنية الاستباقية ضد قوى الارهاب ليست قمعا ولكنها حماية للجبهة الداخلية، بينما يصبغ البعض ما يجرى من عمليات عسكرية فى سيناء بأوصاف غير حقيقية رغم أن هدفها هو اقتلاع الميليشيات الاجرامية هناك. وعن الفارق بين ما يرغب فيه الرئيس من انهاء الاستقطاب الداخلى بين القوى السياسية وتحقيق توافق على مستقبل الدولة المدنية ودعمه للديمقراطية، تحدثت عن انحيازات رئيس يملك شعبية عريضة قال فى دراسة سابقة فى كلية الحرب الأمريكية قبل عشر سنوات أن الديمقراطية تتحقق عندما يكون الاقتصاد والتعليم فى حالة تسمح بنقلة نوعية فى المجتمع وتفسير كثير مما يجرى اليوم إن رئيس البلاد يتعامل مع الوضع فى ضوء ما يمكن تغييره بسياسة «عملية» ربما لا تتحقق أهدافها كما تصورنا ولكن هناك حركة الى الأمام تعوقها حركة البيروقراطية الحكومية التى لا تميل الى التغيير وتلك هى المهمة الأصعب فى برنامج الحكومة الجديدة التى ينتظر أن تتقدم به الى البرلمان بعد انعقاده. السؤال: هل سيكون البرلمان عونا فى النقلة النوعية للاقتصاد والخدمات وطفرة التعليم أم سيغرق نوابه فى المصالح الشخصية وتسديد الفواتير الانتخابية على حساب المجتمع وعلى حساب السلطة السياسية؟

أكثر ما أسعدنى فى مؤتمر مصر بمعهد واشنطن هو الجلسة الخاصة بتشجيع ريادة الأعمال والتى شارك فيها شباب وشابات من المجتمع الأهلى يتحدثون لغة مختلفة تماما عما هو رائج فى وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، يبحثون عن حلول لمشكلات تشجيع شباب رجال الأعمال ودور المجتمع الأهلى فى التنمية ويشكون من البيروقراطية المعوقة ولكنهم يملكون إصرارا على الانتقال بمصر الى واقع جديد وكل ما يريدونه أن يشعر بمعاناتهم أصحاب الكلمة فى أجهزة الدولة. أتمنى أن يشاهد المسئولون فى الدولة الجلسة الأخيرة من المؤتمر سيجدون الكثير مما يستحق الوقوف الى جانبه!.