مصر:&الموقف من سوريا حديث «العلن»… ومخططات التقسيم والتمزيق والترويع حديث السر


حسنين كروم

& استحوذت ذكرى انتصارات حرب أكتوبر/تشرين الأول على معظم مساحات الصحف المصرية الصادرة أمس الاثنين 5 أكتوبر / تشرين الأول وكذلك على برامج القنوات الفضائية.
واهتمت الصحف أيضا بسيرة خالد الذكر، الذي أعاد بناء الجيش بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 وحرب الاستنزاف والعمليات العسكرية وأحاديث القادة الذين شاركوا فيها، وخطة الخداع التي اتبعها الرئيس أنور السادات، الذي نوجه التحية لروحه بهذه المناسبة، فهو صاحب قرار الحرب، مهما اختلفنا معه في سياساته، وحتى في الشروط التي قبلها لتوقيع اتفاق السلام مع إسرائيل، ولم يكن لبعضها أي مبرر.
وأبرزت الصحف وصول الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى مصر بدعوة من الرئيس السيسي، والمحادثات بينهما. واستمرار الدعايات الانتخابية والهجمات ضد «حزب النور» باعتباره حزبا دينيا مخادعا.
وتابعت الصحف أخبار الحجاج المصريين الذين توفوا والذين جرحوا في تدافع منى.
وإلى بعض مما عندنا….

روسيا تجذب إيران ناحيتها

ونبدأ بزيادة كبيرة جدا في ردود الأفعال على ما يحدث في سوريا، خاصة بعد تدخل روسيا بالغارات الجوية، وكان واضحا التعاطف الشديد معها حتى على المستوى الشعبي، والإحساس التلقائي بأن انهيار الدولة السورية سيهدد الأمن المصري. وقد لاحظت في أحد البرامج على قناة «القاهرة والناس» مناقشة عجيبة بين مقدم البرنامج واثنين من الخبراء الإستراتيجيين قالوا جميعا كلاما عجيبا عن خطط روسية لاحتلال سوريا، ولم يذكر واحد منهم ما يذاع علنا عن تنسيق أمريكي ـ روسي ـ وروسي ـ إسرائيلي، ودعم أوروبي واجتماعات بين بوتين وأوباما ووزيري دفاع البلدين وقادة المخابرات، وصوروا الأمر وكأن روسيا تقوم بعملية غزو تحديا لأمريكا. والغريب أن المحلل الإستراتيجي العميد خالد عكاشة كتب مقالا يوم الأحد في «الوطن» قال فيه عن المعركة في مدينة الزبداني: «ويقوم الجيش السوري الحر بإدارة معركة عسكرية على الأرض مع ميليشيات «حزب الله اللبناني» حول هذه المدينة ليمنع سقوطها في أيدي الحزب. جلس ليرتب تلك الهدنة المشار إليها مندوبان من إيران وتركيا، ولم يتوصلا إلى شيء بالطبع، واستمر القتال. ربض الدب الروسي في انتظار حثيث يراقب ضربات الحسم الأمريكية، التي من المفترض أن تقلب المعادلات كلياً على الأرض، وطال انتظار الدب من دون أي عمل أمريكي جاد يخرج من القاعدة، ولم تتحرك المعادلات خطوة واحدة لا للأمام ولا للخلف، وهنا تحديداً كان القرار الروسي بأنه قد اصطاد اللحظة الحاسمة للدخول بقواته إلى الأرض السورية، فإرادة الفعل خاملة وعاجزة لدى كافة الأطراف، ومعادلات الأرض من وجهة النظر الروسية تسير بالدفع الذاتي نحو طريق واحد هو الانهيار. أطاحت روسيا بكل الخطط العسكرية لأنقرة وأدخلت أردوغان وقياداته في دوامة عاصفة لم يستفق منها، بل يقف الآن في مساحة فراغ هائلة لن يستطيع الإجابة فيها عن سؤال تحركاته المقبلة. وعن إيران وجدت روسيا منها خللاً فادحاً في إدارة مساعدتها للنظام السوري ورصدت في ما بعد الاتفاق النووي هرولة إيرانية ناحية الجانب الأمريكي، بعد مشوار طويل من الدعم الروسي لطهران، فكان المطلوب روسياً هو لجم هذا التقارب وجذب إيران ناحيتها بالقوة هذه المرة».

روسيا ورطت نفسها في المستنقع الغارق في الدماء

وأعترف بأنني قرأت مقاله ثلاث مرات ولم أفهم شيئا، وتساءلت وهل هو يفهم ما كتب؟ خاصة أن الجيش السوري ليس في الزبداني ولكن ماذا نقول؟ مفكر استراتيجي «بقى».
أما الذي أدهشني فكان موقف زميلنا الكاتب فهمي هويدي لأنه قال يوم الأحد في مقاله اليومي في «الشروق»: «إذا كانت روسيا قد أنقذت الرئيس الأسد وأمنَته في الوقت الراهن على الأقل، فالذي لا شك فيه أنها ورطت نفسها في المستنقع الغارق في الدماء، وفتحت الباب واسعا لاحتمالات أفغنة سوريا. صحيح أن النوايا الروسية ليست واضحة تماما، ومن المبكر القول بأن الرئيس الروسي أراد أن يرد للغربيين موقفهم منه في أوكرانيا وخداعهم له في ليبيا، أو أنه أراد أن يأخذ مكان إيران في الدفاع عن النظام السوري، وان يقتسم المسؤولية مع الإيرانيين، بأمل أن يقتسم الغنيمة معهم. لا نستبعد أيضا أن يقوي الوجود الروسي من ساعد فصائل المقاومة، التي قد تجذب آخرين من خارج البلاد بدعوى أن روسيا اصطفت إلى جانب الدولة الشيعية والنظام العلوي، في مواجهة تطلعات القوى السنية، وليس ذلك مجرد تخمين أو افتراض، لأن الدول الداعمة للمقاومة السورية تحدثت عن تعزيز مساعداتها لمواجهة التدخل الروسي المزود بالسلاح الحديث، وإذا ما تحقق ذلك فإن التصعيد العسكري سيكون حتميا، كما أن الخسائر البشرية والضحايا من المدنيين ستتضاعف أعدادهم، لأن روسيا لم ترسل قواتها لكي تكتفي بمهمة كفالة حماية نظام الأسد، فليس مستبعدا أن تقوم بدور إيجابي في الأزمة اليمنية، ومعروف أن موسكو كانت طرفا داعما لدولة الجنوب إبان الحقبة السوفييتية، كما أن وفدا يمثل الرئيس السابق علي عبد الله صالح زار موسكو قبل عدة أسابيع، من ثم فعلاقة الشراكة التي نسجت بين طهران وموسكو لحماية نظام الأسد مرشحة لأن تسهم بدور فعال في التعاطي مع الملف اليمني الذي تتولى فيه طهران مساندة الحوثيين».

لم يذرفوا دمعة على سوريا
واليوم يتباكون عليها!

المثير للدهشة هنا أن ينقلب هويدي على إيران بمثل هذه الحدة، ولا يقترب من موقف أردوغان المؤيد للتدخل الروسي، الذي أعلنه قبل بدء الضربات وأثناء وجوده في موسكو، كما أنه أنقلب على موقف إيران في اليمن، فبعد أن كان يهاجم الموقف السعودي فإنه الآن يحذر من تدخل إيراني روسي في الأزمة اليمنية لدعم الحوثيين، ويستشهد بمرحلة تاريخية عندما كان الاتحاد السوفييتي يساعد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1968، لأن نظامها كان ماركسيا، ونسي أن الكويت كانت أيضا أكبر داعم لها، وكان النظام الماركسي في اليمن الجنوبي متطرفا، لدرجة أنه كان يعتبر النظام السوفييتي يمينيا، إضافة إلى أن الاتحاد السوفييتي كانت له تسهيلات بحرية فقط، إلى أن توحد الشمال والجنوب في مايو/أيار عام 1990 في دولة يمنية واحدة، فما الذي سيدفع الروس لمساندة الحوثيين وبأي شكل؟ ولماذا؟. هويدي كما هو واضح يدرك أن نهاية التيار الإسلامي قد تكون نتيجة لتحالف روسي – أمريكي – أوروبي – إيراني، ولكن أيا من فصائل هذا التيار يخشي عليه؟ ونترك هويدي في «الشروق» لنتحول إلى «أهرام» اليوم نفسه وزميلنا هاني عسل وقوله وكأنه يرد على هويدي: «صدقت التوقعات ونجح الوجود العسكري الروسي في سوريا، في فضح كل شيء، فالذين يتباكون على سوريا هذه الأيام هم أنفسهم الذين لم يذرفوا دمعة واحدة عليها، وهم يشاهدونها تتفكك وتتجزأ وتتعرض للدمار والخراب والإرهاب على مدى سنوات على يد «داعش» و«القاعدة» ومسلحي المعارضة، تحت مسمى ثورات «الهباب العربي». الذين يحذرون من حرب أهلية في سوريا الآن يعتقدون أنهم يخاطبون بلهاء وكأن سوريا كانت تشهد خلال السنوات الماضية فيلما رومانسيا حالما مثلا، أو ربما برنامج الكاميرا الخفية. الذين أفزعتهم الغارات الروسية منذ يومها الأول ويصرخون لأن الضربات الروسية ساوت بين «داعش» والمعارضين المدربين في الـ«سي آي إيه» هم أنفسهم الذين أعلنوا قبل سنوات الحرب على الإرهاب وشنوا تحت هذا الشعار أكثر من 4 آلاف غارة، تمثيلا في تمثيل، زادت من قوة «داعش ولم تضعفها»! الذين يولولون الآن على سقوط قتلى مدنيين وأطفال في غارات بوتين هم أنفسهم الذين يتحدثون عن سقوط مدنيين من الحوثيين يا حرام في غارات التحالف العربي في اليمن وهم أنفسهم الذين ذرفوا الدمع من قبل على إخلاء الشريط الحدودي بين مصر وغزة».

الخطوة الروسية في الميزان

أما زميلنا وأحد مديري تحرير «اليوم السابع» سعيد الشحات فقال يوم الأحد أيضا: «من أدخل كل هذا السلاح إلى سوريا؟ من دفع المليارات إلى الإرهابيين حتى يقوموا بالقضاء على الجيش العربي في سوريا؟ يجب أن تحضر الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة، حتى نضع الخطوة الروسية في الميزان، ومن خلالها سنعرف أن الهجوم عليها هو حماية واضحة لـ»داعش» و»جبهة النصرة» وكل الجماعات الإرهابية التي ترعرعت وقويت شوكتها في سوريا، منذ أن بدأت أمريكا وحلفاؤها يوهماننا بشن ضربات ضد «داعش» في العراق وسوريا. الموقف من النظام السوري هو حديث العلن لكن مخططات التقسيم والتمزيق والترويع هي حديث السر برعاية أمريكا وحلفائها فهل كان المطلوب ترك هذه المخططات الشيطانية تمر من دون أن يقول أحد (لا)، هل كان مطلوبا أن نبقى حتى ربع الساعة الأخير من هذا المشهد؟ إذا كان العجز العربي قد بلغ مبلغه والدولة السورية يتحالف الأشرار عليها لإسقاطها في أيدي الإرهابيين فأهلا بالخطوة الروسية لإفساد تلك المخططات».

تاريخ أمريكا أسود
في إنشاء الجماعات المتمردة

وتوالت الهجمات في يوم الأحد نفسه، ففي «الجمهورية» قال زميلنا محمد الفوال: «النموذج الأخير الفاضح على ازدواجية المعايير الأمريكية، ما أثارته حول الدعم العسكري الروسي لسوريا، لمواجهة الحرب الكونية الإرهابية التي تتعرض لها منذ حوالي 5 سنوات. أمريكا لها تاريخ أسود في إنشاء الجماعات المتمردة والخارجة عن النظام والقانون، منذ الحرب الباردة، ولم تتخل عن هذا النهج، وطورته إلى إنشاء شبكة الإرهاب حول العالم، تمولها وتسلحها وتمدها بالمعلومات، بينما روسيا التي تتهمها واشنطن بدعم «النظام» في سوريا ضحية الإرهاب الذي ترعاه واشنطن وتحاربه على أراضيها في الشيشان وداغستان وغيرها. موسكو تدعم نظاماً شرعياً في سوريا تعترف به كل دول العالم باستثناء الدول التابعة للسياسة الأمريكية والراعية للإرهاب، رئيسها بشار الأسد منتخب من الشعب، وسوريا دولة لها مؤسساتها المنتخبة وجيشها قوي ومتماسك، يدين بالولاء للمؤسسات الدستورية ويخوض حرباً شرسة ضد مئات الجماعات والميليشيات الإرهابية. موسكو لا تبعث بقواتها لغزو الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وتقتل المدنيين، أطفالاً ونساء وشيوخاً، كما تفعل الطائرات والصواريخ والقنابل الأمريكية المحرمة».

عبد المنعم مصطفى: الملا بوتين
يتزعم تحالفا يغلب عليه الشيعة

أما آخر مشارك يوم الأحد فسيكون زميلنا في جريدة «المقال» عبد المنعم مصطفى وقوله: «سيطرة الخوف من ضياع أقدم دولة في التاريخ على مشاعر المصريين وشيوع الاعتقاد بينهم بأن من يستهدف تمزيق وطنهم هو الولايات المتحدة ذاتها، كل ذلك صب في اتجاه ترحيب غالبيتهم بوصول قوات روسية إلى سوريا، هم ليسوا مشغولين بكون هذا الدعم الروسي قد يصب في التحليل الأخير لصالح بشار الأسد، لكنهم يعتقدون أن هزيمة المشروع الأمريكي في سوريا على يد الملا بوتين الذي يتزعم تحالفا يغلب عليه الشيعة « إيران ـ العراق ـ سوريا العلوية» سوف تصب بالضرورة في مصلحتهم، باعتبار أن هزيمة المشروع الأمريكي في سوريا سوف يعني بالضرورة منعه من الوصول إلى مصر. الخوف من المستقبل ليس التفسير الوحيد لوقوف غالبية من المصريين خلف بوتين فسوريا في الضمير المصري تتحد مع صورة مصر عند المصريين، فهم لا ينسون أعوام الوحدة في عهد عبد الناصر «وحدة ما يغلبها غلاب» ولا من الموسكي لسوق الحميدية، ولا يغادر ذاكرتهم صوت محمد سلمان وهو يشدو «أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام»، وهم حتى الأميون بينهم يعرفون أن وحدة مصر وسوريا هي من هزمت الصليبيين والتتار وأن الدم المصري/السوري قد امتزج في ساحات القتال تحت قيادة عسكرية موحدة ضد إسرائيل».

نيوتن: السلام عليكم… مفتاح كل شيء

ومن سوريا إلى قضية فلسطين التي قال عنها الدكتور يحيى نور الدين طراف في رسالة أرسلها إلى نيوتن وهو الاسم الذي يوقع به رجل الأعمال وصاحب «المصري اليوم» صلاح دياب عموده اليومي قال فيها: «عزيزى نيوتن، ذكرت في مقالك «زلزال الرئيس» أن السيسي في نيويورك قام بأشجع مبادرة تلي مبادرة السادات للسلام، هي تمكين السلام، التوسع في اتفاقية السلام مع إسرائيل. والرأي عندي أن مبادرة تمكين السلام هذه كان على الرئيس السيسي أن يتوجه بها، لا إلى الدول العربية الأخرى من فوق منبر الأمم المتحدة، لكن من داخل مصر إلينا نحن المصريين، الذين مازلنا نعاني من موروثات غير قابلة للنقاش من أيام الحرب، كما ذكرت في مقالك، وذكريات مؤلمة لم نستطع تجاوزها، حتى عشنا سجناء الماضي، ومازلنا على هذه الحالة، كما قلت في مقالك. بالصدفة كنت أشاهد بالأمس برنامجاً إخبارياً شهيراً على إحدى الفضائيات، تناول صاحبه سيرة الكاتب الراحل علي سالم، بكل الخير لا شك، لكنه حين عرض لرأي الراحل في العلاقات مع إسرائيل قال: هنا أختلف معه، فإسرائيل هي العدو، أمس واليوم وغداً، تكاد هذه تكون الحقيقة المطلقة في كل ما نعيشه من أحداث. لقد خرجت دول كثيرة من إسار ماضيها وموروثاته، وتعاملت مع الحاضر بمستجداته، فلم تسبح ضد الواقع وضد حركة التاريخ، كما ذكرت في مقالك. لقد قتلت أمريكا خمسة ملايين فيتنامي في حربها ضد بلادهم، ورغم ذلك تجاوز الفيتناميون عقبة الماضي وعقدته، واستقبلوا جون كيري ليحتفل معهم بذكرى نهاية الحرب. ونحن نعلم ما تكبدته ألمانيا واليابان من خسائر بشرية ومادية على يد الحلفاء، هي أضعاف أضعاف ما تكبدته مصر على يد إسرائيل مضاعفة، فلم يمنعهما ذلك من التعامل مع هذه الدول بمنطق الواقع، فأصبحتا اليوم أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. لا يزعم أحد أن اليابان وألمانيا قد نسيتا ما أصابهما أو أنهما تسامحتا فيه، لكنهما لا يزعمان في المقابل أن أمريكا هي العدو ويقاطعانها، فليس في السياسة عداء سرمدي إلا بين الأغبياء. كذلك مصر، فليس السير في علاقة مع إسرائيل يعني بالضرورة أننا غفرنا لها، أو أننا نحبها، لكن مقتضيات الواقع والمصلحة تفرض ذلك. ليت السيسي يتزعم في شجاعة حملة توعية لنخبته قبل شعبه، بأن العداء والصداقة بين الدول لا يخضعان لموروثات الماضي، وإنما يتحددان بطبيعة العلاقات الحالية والمصالح بين هذه الدول، وأن الختم على علاقتنا بدولة ما بخاتم العداء السرمدي اليوم والأمس وغداً، كما يريد البعض، ليس من السياسة في شيء، بل هو من العجز عن إقامة علاقة متوازنة معها لمصلحة بلدينا.

تعليق نيوتن

السلام غاية.. هكذا قالت الأديان. هكذا نبدأ نحن المسلمين بالتعارف مع أي إنسان. بجملة واحدة. السلام عليكم. مفتاح كل شيء. هل هناك أكثر من ذلك بلاغة؟ هل هناك أكثر من ذلك تحريضاً على السلام؟ الموضوع مثار ومطروح علينا بقوة منذ 77. مع ذلك لم يأخذ حقه من المناقشة العقلانية، الغوغائية والصراخ لم يمنحا أحداً فرصة لفعل ذلك. الآن وبعد شجاعة الرئيس السيسى جاءتنا الفرصة. اغتنامها ضرورة. فالحرب كانت دائماً وأبداً وسيلة في كل العصور. السلام وحده الغاية».

إدعاء نتنياهو بحماية الأماكن
المقدسة تكذبه الاعتداءات عليها

أي أنه يطالب السيسي بأن يدعو النخبة المصرية والشعب الرافض للتطبيع مع إسرائيل بأن ينسى ما حدث وأن يقبل هاشا باشا على إسرائيل، وكأن السيسي سيكون وكيلها في مصر والدكتور يحيى يكتب ذلك مجاملة ودعم لصلاح دياب. لكن في اليوم نفسه خصصت «الأهرام» افتتاحيتها لإسرائيل التي أراد يحيى ونيوتن أن يكون رئيس مصر وكيلا لها وقالت فيها: «في الوقت الذي لا يمر فيه يوم من دون أن ترتكب السلطات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي والمستوطنون اليهود الجريمة وراء الأخرى ضد المسجد الأقصى، وضد المصلين فيه، سواء من الفلسطينيين أو غيرهم، وقف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أمام الجمعية منذ أيام، زاعما أمام المجتمع الدولي أن بلاده توفر الحماية للأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين، مدعيا أن إسرائيل تحترم الأماكن المقدسة للجميع وتحافظ على حرية العبادة للجميع، وهو إدعاء تكذبه الممارسات والسياسات الإسرائيلية على أرض الواقع، فالسلطات والجيش الإسرائيلي يمنعان الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى في القدس العربية ولا يدخل إلى باحة المسجد إلا النساء والشيوخ ولا يسمح لهؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 45 عاما بالدخول إلى ساحة المسجد أو الصلاة في المسجد، ويستخدم الجيش الإسرائيلي قنابل الغاز وكل الأسلحة لمنع وصول الفلسطينيين إلى الأقصى».

الشعب الفلسطيني يقاوم
وحده همجية إسرائيل

كما خصصت «اليوم السابع» افتتاحيتها يوم الأحد لتجامل صلاح دياب ويحيى طراف قائلة: «تتصاعد الأحداث في الأراضي العربية المحتلة بحصار الجيش الإسرائيلي للمسجد الأقصى، وقيام المستوطنين الغاصبين بإحراق مزارع الزيتون وسيارات للفلسطينيين في الضفة الغربية، يحدث ذلك في القدس، فيما تلتزم الأطراف العربية الصمت، حيث لم تعد القضية الفلسطينية بالنسبة لها أولوية أولى أو رئيسية، كما كان في الماضي. يقاوم الشعب الفلسطيني وحده همجية إسرائيل وبربريتها ويقاوم جحافل المستوطنين بكل همجيتهم وعنصريتهم، التي يطبقونها على الشعب الفلسطيني، وبتبعية الصمت العربي يسير الموقف الدولي منافقا لإسرائيل ومتواطئا ضد الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة، يخضع الموقف الدولي للابتزاز الإسرائيلي الذي ينشط من دون مقاومة تذكر له من الدول العربية. نحن نرى النتائج الكارثية على الأرض، ومنها ابتلاع الأرض الفلسطينية والتصميم على «تهويد الأقصى».

السيسي وعبد الناصر

أطرف ما نشر عن السيسي يوم الأحد كان لزميلنا في «الوفد» مصطفى عبيد وكتب مقاله في «البوابة» ومما جاء فيه: «حمدت الله كثيرا أن السيد الرئيس كان خارج البلاد عندما حلت ذكرى رحيل عبد الناصر، الخامسة والأربعون، فلم يذهب إلى ضريحه ويضطر اضطرارا إلى الترحم على أيامه، وتأكيد على أن الدولة المصرية ستستمر على نهج الزعيم الراحل. ليس منطقيا أن يعيد نظام السيسي الاحتفال بثورة يوليو/تموز أو بناصر. أولا لانقطاع الصلة المباشرة وثانيا لوجود رغبة جامحة لدى الأجيال الجديدة في تجاوز فكرة القومية العربية، والزعيم البطل، والقائد الوحدوي. وثالثا وهذا هو الأهم لأن توجه الدولة المصرية ذاته تغير، فصار يجنح إلى التحرر والفكر الليبرالي والسماح للقطاع الخاص بالتوسع والتمدد وقيادة التنمية، وهو ما يستلزم طي صفحة يوليو وعبد الناصر والنظر إليها باعتبارها مرحلة تاريخية لا نموذجا».

السيسي يزور قبر السادات

إذن دفاع مصطفى عبيد هو كراهيته للقومية العربية والوحدة وكل من يحمل لواءها ويدعو لها، لكن فرحة المسكين مصطفى بأن الرئيس لن يزور ضريح خالد الذكر لأنه في الخارج تلاشت في صباح اليوم نفسه إذ قام السيسي بزيارة قبر الرئيس السادات والجندي المجهول ثم توجه إلى الضريح وقرأ الفاتحة على روح عبد الناصر. أما الأنكي فهو أن تنشر صحيفة «الوفد» في اليوم ذاته مقالا للواء على المعاش أحمد عبد الفتاح هيميمي قال فيه: «في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول هذا العام يكون قد انقضى خمسة وأربعون عاما على وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، ذلك الصرح الشامخ الذي سيظل رمزاً للوطنية وتجسيداً للنضال ومثالاً للعطاء ونبراساً لكل الشعوب الباحثة عن الحرية والعزة والكرامة. إنه الزعيم الخالد بعقيدته وفكره وإنجازاته وقيمه الإنسانية النبيلة، التي لا يمكن أن تموت. إنه من الزعماء الوطنيين القلائل على مستوى العالم الذي استعصى على الاختراق من قبل أعدائه أو أصدقائه، بكل وسائل الاختراق المعهودة، سواء بالمال أو اللهو أو التهديد أو الترغيب، فظلت إرادته قوية صلبة ودامت قامته شامخة أبية، ومن هنا أيضاً كان الفكر الناصري في قضايا التحرر والسيادة والاستقلال والعدالة الاجتماعية والحماية الاقتصادية والتوحد العربي فكراً وطنياً خالصا في الشخصية المصرية، التي اضطرت إلى كبته طوال أربعة عقود ماضية إلى أن استطاعت استنهاضه من جديد، والإفصاح عنه بقوة الثورة المصرية الرائدة في30 يونيو/حزيران 2013. إن ذكرى الزعيم الخالد وسيرته الوطنية تستحق قدراً أكبر من الدراسة والتأصيل في مناهج التعليم المختلفة حتى نغرس روح وقيم الانتماء والولاء للوطن في نفوس الأجيال المتعاقبة بما يعيد لمصر مكانتها الحضارية وريادتها الإقليمية المستحقة».

الشعب والجيش ونصر أكتوبر

وعن نصر اكتوبر/تشرين الأول كتب جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» مقاله ومما جاء فيه: «لا تكون السياسة معيارا لتقييم الأبطال في أوطانهم، وكثيرا ما يكون الأبطال الحقيقيون لمعارك الشرف والوطن الكبيرة ضحايا لتحولات السياسة بعد ذلك، وهكذا كان الأمر مع اثنين من أبرز قادة وأبطال حرب أكتوبر: أحدهما عسكري والآخر مدني، الأول هو البطل الفريق سعد الدين الشاذلي، مهندس معركة العبور ورئيس أركان الجيش المصري وقتها، حيث تم سجنه ـ مع الأسف ـ بعد ذلك بسبب انتقاده للتعاطي السياسي مع نتائج حرب أكتوبر، أما الآخر فهو القائد البطل الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية في حرب أكتوبر، والرجل الذي وفقه الله لإنقاذ مدينة السويس ومدخل القاهرة من اختراق الدبابات الإسرائيلية، التي حاصرت المدينة، بعد أن اضطربت القوات العسكرية في المنطقة وأعلن محافظها ـ مع الأسف ـ تسليمها للعدو، فانتصب حافظ سلامة رافضا قرار المحافظ ودعا للجهاد من مئذنة مسجد الشهداء، ونظم صفوف المتطوعين وبقايا الجنود والضباط في المدينة، وخاض معارك شوارع رائعة على مدار أسابيع، انتهت بانكسار العدو بعد أن خسر قرابة سبعين دبابة وعشرات القتلى والمصابين، وقد أثنى على جهاده قادة الجيش وقتها وكتب الفريق الشاذلي مقدمة مذكراته عن حرب أكتوبر، كما كرمه الرئيس السادات في مجلس الشعب وأمام شاشات التلفزيون ومنحه أعلى الأوسمة وعرض عليه أن يتولى منصب محافظ للسويس فرفض وعاد إلى مزرعته، لكن حسني مبارك قام بسجنه بعد ذلك خوفا من شعبيته، بعد أن أعلن عن «المسيرة الخضراء» السلمية لدعوة الرئيس لاحترام مرجعية الأمة في الشريعة الإسلامية، لكنه أفرج عنه بعدها بقليل. المجد للشهداء، والجزاء الرباني الأوفى لكل من ساهم في انتصار أمته في ذلك اليوم الأغر، من جيش وشعب، والفخر مستحق لجيلنا وكل الأجيال اللاحقة بذكرى هذا النصر العظيم، وإن افترقنا بعدها واختلفنا» .

معركة النقاب
تصل رحاب الجامعات

أخيرا إلى معركة نقاب هيئة التدريس في جامعة القاهرة، التي أشعلها قرار رئيس الجامعة الدكتور جابر نصار بمنع المنتقبات من هيئة التدريس من إلقاء المحاضرات على الطلاب وهن مرتديات النقاب، لأنه يقلل من التفاعل مع الطلاب، ولقي القرار تأييدا ومعارضة، إذ قال عنه يوم السبت في «الوفد» زميلنا وصديقنا محمد الغيطي:
«منذ شهر وافق حزب النهضة الإخواني في تونس بزعامة الغنوشي على قرار وزير التعليم التونسي بمنع عمل المنتقبات في التدريس، ومنع النقاب في المدارس عموما، ومن قبل منعت الجامعـــــات التونسية دخول المنتقبات. وفي تونس ممنوع النقاب في المنشآت الحكومية عموما، لذلك اعتمد رئيس جامعة القاهرة د. جابر نصــــار قرارا بمنع دخول المنتقبات، سواء طالبات أو مدرسات وقال إنه ارتكز على فتوى للأزهر أن النقاب ليس من الإسلام، ولذلك أطالب كل مؤسسات الحكومة بتعميم هذا القرار، خصوصا وهذه الظاهرة انتشرت في أروقة الحكومة والمحليات وقد لاحظت انتشارها في المستشفيات وعلقت عليها لوزير الصحة السابق ووافقني الرأي. هل يأخذ وزير الصحة الحالي قراراً جريئاً بمنع نقاب الممرضات، لأنه حق من حقوق المريض أن يرى من تشرف على علاجه في انتظار هذا القرار وصح النوم».

دورنا أن نقف
إلى جانب رئيس جامعة القاهرة

لا وزير صحة أو تعليم عال، الأمر يحتاج إلى الرئيس السيسي نفسه كما قال في يوم السبت نفسه زميلنا محمد الباز رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «البوابة»: «تعجبنا من جرأة الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، فقد اختار طواعية أن يدخل بقدميه إلى أرض الألغام عندما قرر منع التدريس بالنقاب في قاعات ومدرجات الجامعة، أعرف أن جابر نصار سيمضي لتنفيذ قراره لن يثنيه عن ذلك شيء، وأعتقد أن دورنا ليس أن نصفق له بل واجبنا أن نساعده وندعمه ليس بالكلام، ولكن من خلال مطالبة واضحة وصريحة لا تقبل تراجعا بأن يقوم المشرع وهو الآن رئيس الجمهورية بإصدار قانون يقضى بمنع النقاب، ليس في قاعات التدريس في الجامعات، ولكن بمنع ارتدائه في جميع المصالح الحكومية التي يقتضي فيها التعامل مع الجماهير. المعركة جادة وأرجو أن تكون هذه نهايتها فكم من قرار صدر بمنع النقاب في الجامعة ووصل الأمر إلى القضاء وانتهى الأمر إلى لا شيء على الإطلاق، ولذلك فلا بديل عن تدخل القانون ليحمي المجتمع من أخطار الاستخدام السياسي والاجتماعي للنقاب، فهو ليس رداء ترتديه المرأة طاعة لله أو ترضية لزوج أو هروبا من مجتمع منافق، ولكنه خطر على حالة المجتمع النفسية، لأنه يمثل في النهاية شذوذا هائلا فمن ترتديه تعتقد بأنها إلى الله أقرب ومن لا ترتديه يراودها الشك أحيانا بأنها ليست على صواب».

سيطرة التعصب والرأي الواحد

وفي اليوم التالي الأحد دخل المعركة في «الأهرام» زميلنا وصديقنا نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد بقوله في عموده اليومي «نقطة نور»: «ميزة قرار الدكتور جابر نصار مدير جامعة القاهرة أنه قرار ذكي يحترم الحريات الشخصية للمنتقبات ويفصل بين حق الأستاذة الجامعية المنتقبة في أن ترتدي ما تريد احتراما لحريتها الشخصية وبين واجبها داخل قاعات المحاضرات، وهي تدرس للطلاب والطالبات الذين من حقهم أن يتعرفوا على وجه المحاضر ويتفاعلوا معه.. وإذا صح ما أعلنته جامعة القاهرة من أن المدرسات العشر المنتقبات قبلن طوعا تنفيذ أوامر مدير الجامعة، فذلك يعني نجاح الوصول إلى حل توافقي بسيط وصحيح يحفظ حقوق الأساتذة وحرياتهم الشخصية، ويحفظ في الوقت نفسه حقوق الطلاب ويخرج الأزمة من جمودها وتصلبها، الذي يعكس سيطرة التعصب والرأي الواحد على شرائح عديدة في المجتمع المصري باسم الدين والشريعة، رغم أن الشرع لا يفرض النقاب على المسلمات وإذا كان المجتمع المصري لا يمانع في حق المنتقبة في ارتداء النقاب، يصبح من الواجب رفض كل الأوامر والنواهي التي تتعلق بزي المرأة احتراما لحريتها الشخصية إلا أن يخرج الأمر عن نطاق الآداب العامة المرعية ويتحول إلى عمل فاضح في الطريق العام يعاقب عليه القانون».

محاولة إبقاء المجتمع في مضارب التخلف

وفي العدد ذاته نشرت «الأهرام» مقالا للكاتب الكويتي الدكتور محمد الرميحي قال فيه:
«ارتداء النقاب والإصرار عليه حتى على كراسي العلم والتعليم هو في جذوره موقف سياسي للنكوص بالمجتمع إلى الخلف والوقوف أمام محاولات التقدم والتحديث الفني والإداري والمؤسسي، موقف المعادي والرافض، هي محاولة لإبقاء المجتمع في مضارب التخلف وتوجيه الصراع في المجتمع بدلا من أن يكون صراعا بين الفقر واليسر وبين التوزيع العادل والفساد إلى صراع شكلي يُلهي المجتمع ويعطل الدولة، إنه محاولة مستمرة لتفريغ الصراع وحرفه من جوانبه الحضارية إلى جوانبه الشكلية وإشغال المجتمع في ما هو فرعي وجانبي، فإن المطلوب من الأقلام المستنيرة والتي ترغب في أن يغادر مجتمعها الجهل والتخلف أن تقف مساندة لقرار إدارة جامعة القاهرة مهما عظم كيد المضللين والظالمين».