&فهمي هويدي

&
في أواخر شهر أكتوبر عام ٢٠١٣ قال رئيس الوزراء آنذاك الدكتور حازم الببلاوي إن سد النهضة (الإثيوبي) يمكن أن يكون مصدر رخاء للدول المحيطة. وفي أوائل أكتوبر ٢٠١٥ أعلن مصدر مسؤول بوزارة الري أنه تم إبلاغ القيادة السياسية بعدم جدوى اجتماعات سد النهضة (كان العنوان الرئيسي للصفحة الأولى بجريدة الشروق يوم ٤ أكتوبر بهذا المعنى). وخلال السنتين الفاصلتين بين التاريخين تم تبادل الزيارات بين القاهرة وأديس أبابا. وعقدت عدة اجتماعات بين الجانبين. وأعلن عن توقيع اتفاق مبادئ للاسترشاد به في التعامل مع الملف بين قيادات الدول الثلاث التي مثلت برئيس مصر والسودان ورئيس وزراء إثيوبيا. وجرى الحديث عن الاتفاق مع مكتبين استشاريين لدراسة المشروع، أحدهما فرنسي والآخر هولندي. وفي الوقت الذي عولت الجهات الرسمية المصرية على اجتماعات اللجان والاتصالات الدبلوماسية فإن أصوات الخبراء ظلت تدق الأجراس محذرة من مخاطر السد وآثاره الكارثية وتلاعب الحكومة الإثيوبية، وحرصها على كسب الوقت لإنجاز المشروع الذي يفترض أن يتم بناؤه في عام ٢٠١٧. ومن ثم فرض الأمر الواقع على مصر.
هكذا فإننا خلال السنتين انتقلنا من تصريحات التفاؤل الناعمة إلى الاعتصام بالصبر والتحرك الحذر سواء لعدم قطع الحبال مع إثيوبيا أو لكسب ود دول حوض النيل، ووصلنا أخيرا إلى أعتاب التشاؤم، بعدما ظهرت إلى العلن بوادر التسويف وسوء النية من الجانب الإثيوبي. وكان أحدثها طلب إثيوبيا تأجيل اجتماع وزراء الري والمياه في مصر والسودان وإثيوبيا، الذي كان مقررا عقده بالقاهرة هذا الأسبوع بدعوى الانشغال بتشكيل حكومة جديدة في إثيوبيا. وهي الذريعة التي لم تأخذها القاهرة على محمل الجد، لأن الاتفاق على عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية يومي ٤ و٥ أكتوبر تم في الأسبوع الماضي بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبي، حين التقيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وما نشرته صحيفتا «الشروق» و«المصري اليوم» في ٤/١٠ الحالي يعبر عن الشكوك القوية التي لم تعد تخفيها القاهرة إزاء الموقف الإثيوبي. فقد نشرت جريدة الشروق التصريح الذي أشرت إليه في الأسطر الأولى منسوبا إلى المصدر المسؤول في وزارة الموارد المائية والري، الذي كانت خلاصته أنه لا جدوى ولا أمل في أي تجاوب من جانب سلطات أديس أبابا. وكل ما يجري الآن من اتصالات مع أديس أبابا لا يخرج عن كونه مجرد تضييع للوقت. أضاف المصدر أنه حتى إذا قام المكتب الاستشاري الفرنسي بالدراسات المتفق عليها فإن النتائج لن تظهر إلا بعد ١١ شهرا، خلالها سيظل بناء السد. مستمرا بوتيرته المعتادة بحيث تتمكن إثيوبيا من تشغيل المرحلة الأولى من السد قبل نهاية تلك المدة. وهو ما يعني عدم الجدوى من إجراء أي دراسة تتعلق بحجم أو ارتفاع السد. وإزاء ذلك فلا مفر من أن تتخذ مصر قرارا حاسما وحازما بخصوص الموضوع.
إزاء هذه النتيجة أورد التقرير المنشور عدة أفكار بديلة تنطلق من التسليم بعدم جدوى الحديث مع الجانب الإثيوبي فيما خص حجم السد وارتفاعه. فقد نقل عن وزير الري الأسبق المهندس حسين العطفي دعوته إلى مطالبة إثيوبيا بالتوقف عن إنشاء السد المساعد. كما نقل عن الدكتور محمود أبوزيد الوزير الأسبق أيضا اقتراحه العودة إلى مشروع «البارواكوبو» في إثيوبيا الذي يعد أحد مشروعات مبادرة حوض النيل التي تمت دراستها، وهو يوفر ٤ مليارات متر مكعب من المياه لكل من مصر والسودان. كما دعا إلى الاستعانة بالبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة اليونسكو للتوسط في حل الأزمة.
ما نشرته جريدة الشروق عبرت عنه باختصار جريدة المصري اليوم. التي تحدثت في خبر الصفحة الأولى عن أن مصر تراجع مسار سد النهضة بعد تأجيل اجتماعات القاهرة. ولفتت الانتباه إلى أنه لم يتحدد موعد لعقد الاجتماع بين وزراء الري في الدول الثلاث، الأمر الذي يعني أن الموقف صار مجمدا في الوقت الراهن. وكأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.
هذه الخلفية تطرح سؤالا كبيرا حول حجم المعلومات التي توفرت لدى القاهرة في إدارتها للأزمة. وهي التي بنت على أساسها التفاؤل حينا والتفاهم والحذر حينا آخر ثم الإحباط في طور ثالث. ذلك أن هذا التذبذب دال على أن القاهرة لم تكن لديها صورة كافية عن حقيقة الموقف الإثيوبي طوال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، الأمر الذي مكن أديس أبابا من أن تكسب الوقت وتمضي في مخططها كما رسمته دون أدنى تغيير.
ولا أعرف ما إذا كان ذلك القصور في المعلومات سيخضع للتحقيق والمساءلة أم لا، لكن الذي أفهمه أن الأطراف المشاركة في أي مفاوضات تكون لديها بدائل في كل مرحلة. وما أشار إليه الوزيران السابقان يدخل ضمن تلك البدائل. ليست لدى إجابة على السؤال ما العمل، لأن الرد لدى أهل الاختصاص والخبرة، لكن الذي أتمناه أن يتم التعامل مع ملف المياه الخطير بما يستحقه من جدية ومستوى عال من الكفاءة والحزم. إذ أخشى ألا يصبح من حقنا الآن أن نتوجه بالدعاء إلى الله أن يرد عنا البلاء، بحيث يبقى أمامنا أن نطمع في كرمه سبحانه وتعالى كي يستجيب لرجائنا أن يلطف بنا فيه.