جميل الذيابي

يبدو أن واشنطن تماهت مع قرار موسكو عبر ما سمي بالتنسيق الأميركي الروسي، ولم تصادم رغبة بوتين، بل ربما أرادت استدراجه إلى التورط في حرب تشابه حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان

&


ماذا يحدث في سورية اليوم، أو بالأصح، ما ماهية المشهد الراهن بعد مضي خمس سنوات على الثورة الشعبية، وبعد التدخل الروسي العسكري؟
في سورية، نظام مجرم فاقد للشرعية يحاول البقاء عبر الابتزاز والتهجير وسفك الدماء، تسانده مليشيات إيرانية متطرفة، تقابلهما معارضة مشردة متشرذمة تسكن الفنادق وتنتظر المساعدات، ليس لديها حلول ولا أفق سياسي إلا ما تطرحه في الفضائيات، وهناك تنظيمات إرهابية منتشرة لا هَمّ لها سوى التكفير والتفجير وجز الرؤوس وتشويه الإسلام، ساعية إلى احتلال الإقليم بالدم!


قرار تسوية الأزمة لم يعد للسوريين، وإنما بات خارج حدود البلاد، ولم يعد جيش الأسد ولا قوات المعارضة تملكه، ودورهما "التبصيم" على ما يقرر من الخارج، بعد أن أصبحت البلاد مهجورة وموحشة ومفقرة وتدور على أراضيها حروب طاحنة بين قوات النظام وعصابات إيران وجماعات إرهابية وسيناريوهات أجهزة مخابرات دولية!
بعد التدخل الروسي، هناك نقاط أساسية يجب التحاور مع موسكو لإقناعها بشأنها، كونها الراعي الأصيل للأسد ونظامه. ماذا تريد؟ لماذا كل تلك الاستماتة على بقاء سفاح دمشق عبر استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ثم التدخل العسكري لاحقا؟!
يجب على العالم التفاني نحو بلورة اتفاق مع روسيا ينتج عنه حل لعقدة بقاء الأسد، الذي هو رأس المشكلة وجذرها، والمملكة العربية السعودية هي الدولة المؤهلة لذلك وربما نشهد في الأيام المقبلة لقاءات سعودية-روسية على أعلى المستويات، تفضي إلى حلول توافقية.


في موازاة ذلك، لا بد من عمل دولي لإخراج كل الميليشيات الإرهابية الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني من سورية ومحاربتها، مثلما تحارب الميليشيات الإرهابية السنية!
يعلم الغرب، أن روسيا توظف الورقة السورية في مواجهتها مع واشنطن والعواصم الأوروبية في صراعها معهم بشأن أوكرانيا. وتريد أن تثبت للعالم أنها لا تزال قوة عظمى، تملك القدرة على إفشال سياسات أميركا، إضافة إلى مصالحها الاستراتيجية في سورية.


من السابق لأوانه، التعجل والقول إن روسيا تورطت في الصراع السوري، لكن الواضح حتى الآن أن أهداف الغارات الروسية، ليست لحماية الشعب وإنما لحماية حليفها نظام الأسد، والشكوك الدولية في محلها، لأنها انقلبت على منطقها الذي ما فتئت تروج له، بأن الحل الأول في سورية سياسي لا عسكري، إذ تبنت بتدخلها منطق النظام وإيران بمشاركتها في الحرب عبر التدخل العسكري، بعد أن شعرت بورطة الأسد وتهاوي جيشه وعدم قدرته على الاستمرار في المواجهات بعد سنوات من أزمة طاحنة.


على الطرف الآخر، يبدو أن واشنطن تماهت مع قرار موسكو عبر ما سمي بـ"التنسيق الأميركي – الروسي"، ولم تصادم رغبة بوتين، بل ربما أرادت استدراجه إلى التورط في حرب تشابه حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، مع اختلاف الزمان والمكان والتفاعلات الدولية.


الخطأ الكبير الذي سينعكس على العالم أن "أفغنة" سورية لن ترحم أحدا، وستطال روسيا بعد أن زجت بنفسها عسكريا في سورية، ونصبت نفسها حارسا للشيطان نيابة عن نظام الأسد وميلشيات إيران بحجة محاربة "داعش"، فالعالم كله ضد التنظيم.


الأزمة السورية مؤذية للإقليم والعالم أجمع، ولن يأتي حل الأزمة عبر التدخل العسكري الروسي، بل سيوسع عمل الجماعات الإرهابية ويعمل على توالدها، في منطقة مشتعلة لم تعد تحتمل إلا إطفاء النيران بعد أن أغرقها نظام الأسد بسياساته وجرائمه مع حليفته إيران.


الأكيد أن ضربات روسيا العسكرية لن تعزز الحلول السلمية، بل ستعمل على تغذية الاحتقان المذهبي والتناحر وصب الزيت على النار، وولوغ القيصر في حرب ربما تطول، خصوصا أن الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو تستعر، وكلاهما يبحث عن مصالحه في منطقة ساخنة لما يحقق أغراضه السياسية!
الأكيد أن الجميع يتحمل المسؤولية، وغالبية العواصم الدولية تتفق على أن نظام الأسد فاقد الشرعية، وتصرف الروس على رغم مناقضته لتلك التوجهات الدولية، جاء في ظل فراغ كبير عجزت قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا أن تسده، أو تتقدم خطوة نحو هزيمة "داعش" أو إرغام الأسد على التنحي.


كما على المعارضة؛ المسارعة إلى تمزيق خلافاتها، وأن تكون معارضة وطنية شجاعة تشعر بمصائب السوريين وما يجري عليهم من تشريد وتهجير وتفجير وتدمير، وأن تستعجل في تشكيل حكومة انتقالية فاعلة ومؤثرة وديناميكية قبل استكمال الأسد تقطيع كل الأوصال السورية وتمزيق البلاد.
&