عبدالرحمن الوابلي

يبدو أن روسيا كانت مستعدة جيدا للتدخل العسكري في سورية، من حيث تماسك تصريحات مسؤوليها ووضوح بياناتهم وإحراج الغرب في طلبها منهم مساعدتها في التدخل أو تحديد الفصائل المعتدلة حتى لا تقوم بقصفها

&

هل شارفت الحرب الشرسة الدائرة في سورية والتي دخلت سنتها الخامسة، على الانتهاء؟ من الواضح من تلاحق الأحداث الأخيرة وتسارعها، التي حبست الأنفاس، وبدأت تغير واقع الحرب على الأرض، أن الحرب شارفت على وضع أوزارها. الكل بانتظار ما ستؤول إليه الأحداث الأخيرة المتسارعة من نتائج على الأرض، والتي ستنتقل بكل ثقلها إلى طاولات مباحثات السلام، التي من المؤكد أنها هي من سينهي الحرب الدائرة، لا السلاح، مهما قويت كفة هذا على هذا. عندما تطول الحرب -أي حرب- أكثر مما يجب، فهذا ينم عن سببين: إما بدائية إدارة الحرب، وإما تدخلات خارجية شرسة تفضي لعدم ظهور علامات واضحة على حسمها عسكرياً.


وهنا لا يمكن إيقاف الحرب التي طال حسمها؛ إلا بحل سياسي يتفق عليه أطراف الصراع المسلح بأمر ممن خلفهم؛ أو تدخل قوة خارجية قادرة على حسم المعركة ميدانيا لصالح هذا الطرف أو ذاك. ولكن في الحالة السورية، يصعب حسم الحرب فيها لصالح أي طرف، وإنما يمكن تعديل ميزان القوة على الأرض لصالح أي من الأطراف. إذًا فمن البداية يجب أن نعلم أن روسيا تعي أن تدخلها العسكري في سورية لصالح الجيش النظامي لن يحسم الحرب عسكريا ولكن سيهيئ الأجواء ويسرعها لمفاوضات السلام القادمة. ففي أي حرب، عندما يتعثر الحل السلمي فيها طويلاً، بسبب وجود أطراف لا تبحث عن الحل السلمي، يتم تدخل القوة المتضررة أكثر من إطالة أمد النزاع. في الحالة السورية؛ يبدو واضحا أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية غير مستعجلة في إنهاء الحرب الدائرة هناك، وذلك لبعدها عنها من ناحية، ومن ناحية أخرى، لإنهاك جميع الأطراف المتقاتلة، لذلك فهي ليست مستعجلة في الحسم، الذي تعتقد بأنه بيدها وحدها لا غيرها، متى ما أرادته فرضته.


منذ بداية الحرب السورية وهي تشكل هاجس قلق وتوجس بالنسبة لروسيا الاتحادية، كونها في حالة هزيمة الجيش السوري وتفكك مؤسسات الدولة، ستفقد آخر معاقلها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وبنفس الوقت، آلاف المقاتلين الروس، الذين تجندوا أو جندوا للقتال في سورية، كمجاهدين أصوليين، سيشكلون خطرا كبيرا عند عودتهم إليها، وهز أمنها وقتال جيشها في عقر داره. روسيا لا تثق بالغرب ودوما تشكك بنواياه، منذ كانت روسيا القيصرية؛ وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية حيث لدغتها قبل ذلك في أفغانستان وكادت تلدغها في أوكرانيا.


الحرب السورية ليست بالحرب التقليدية؛ أي ليست لها جبهة محددة وواضحة المعالم والأبعاد، كما كانت جبهة الجولان بالنسبة للجيش السوري منذ 1948م، حتى قبل قيام الحرب في سورية. حيث إن الجيش السوري، خطط ودرب استراتيجياً وتكتيكياً وعقائدياً، للقتال على جبهة الجولان؛ لا غير. وعندما اشتعلت الحرب وجد الجيش السوري نفسه يقاتل في عدة جبهات داخلية متناثرة غير تقليدية وغير واضحة المعالم. وهنا تلخبط أداؤه في بداية الحرب؛ وهذا ما سمح للمعارضات المسلحة، التي تقاتل ضده بالانتشار والتمترس في المدن وبين المدنيين والقرى والأحراش المحيطة في المدن والواصلة بينها. ولذلك تحولت الحرب، إلى حرب دموية جداً ومدمرة في بدايتها. الحرب التي أخذ يخوضها الجيش السوري، هي حرب مدن وعصابات؛ من الصعب على الجيوش التقليدية خوضها كما حدث للجيش الروسي في أفغانستان والجيش الأميركي في فيتنام، والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.


الجيش الجزائري نجح في حربه ضد العصابات المسلحة الأصولية في الجزائر بشق الأنفس، وذلك بعد 10 سنوات من الحرب الضروس معهم. سبب انتصار الجيش الجزائري كون العصابات التي يحاربها، كلها جزائرية؛ وكذلك لم تتدخل في دعمهم أي قوى خارجية دولية كانت أم إقليمية. الحرب في سورية، يخوضها ضد الجيش السوري ونظامه، تنظيمات من جميع أنحاء العالم وكثير منهم يقودها مدعوما تسليحاً وتمويلاً وحتى تجنيداً وتدريباً من قوى إقليمية ودولية. كما أن الجيش السوري نفسه بدأ يستعين تسليحاً وتمويلاً وتجنيداً، بدول إقليمية ودولية. وهكذا بدأت الحرب في سورية، بحرب بين السوريين على سورية، وانتهت بحرب غير السوريين في وعلى سورية. ولذلك خرج قرار إيقاف الحرب من عدمه من أيدي السوريين، وأصبحوا رهينة بيد الداعمين الأجانب لهم.


لقد فاجأ الروس الغرب بتدخلهم السريع في سورية، حيث استفادوا جداً من عامل المفاجأة والمباغتة التي لم تربك الفصائل العسكرية المقاتلة للجيش النظامي في سورية، وإنما أيضاً، أربكت الدول الغربية الداعمة لها. ولا يبدو الارتباك واضحا جدا في تضارب التصريحات الأميركية والأوروبية فقط، وإنما حتى في تضارب تصريحات مسؤولي كل دولة منها على حدة. فرئيس فرنسا، فرانسوا هولاند؛ ووزير خارجيته لوران فابيوس صرح الأول بأنه لا يقر بدور لبشار الأسد في عملية السلام، بينما أعلن الثاني أنه من الممكن أن يلعب بشار الأسد دورا في عملية السلام. كما أن رئيس وزراء بريطانيا يصرح بأن روسيا تقصف قوى معتدلة في سورية ووزيرة داخليته تريزا ماي، تصرح بأنه لا يوجد في سورية فصائل معتدلة. هذا غير التصاريح السريعة والمتضاربة التي تصدر من الولايات المتحدة؛ حيث للبيت الأبيض رأي ولوزارة الخارجية رأي آخر ورأي ثالث مغاير لوزارة الدفاع.


يبدو أن روسيا كانت مستعدة جيدا للتدخل العسكري ومنذ زمن في سورية، من حيث تماسك تصريحات مسؤوليها ووضوح بياناتهم وإحراج الغرب في طلبها منهم مساعدتها في التدخل أو تحديد الفصائل المعتدلة في سورية حتى لا تقوم بقصفها. ولكن الغرب لم يعطهم اسما واحدا غير الجيش الحر، وعندما سأل الروس أين يتواجد الجيش الحر، لم يحدد أي مسؤول أميركي أو أوروبي مكان تواجدهم. إن التدخل الأميركي في العراق وسورية، وشن أكثر من تسعة آلاف غارة على أراضيهما، ومنذ سنة ونيف؛ لا يعطيها الحق في نقد وشجب التدخل الروسي، كتدخل في شؤون الآخرين. كما أن قصف الطائرات الأميركية قبل يومين، لمستشفى أطباء بلا حدود، في مدينة قندوز الأفغانية، لا يعطيها الحق في التباكي على أي مدني يقتل جراء قصف جوي.


تدخل روسيا المفاجئ في سورية ليس فقط لإحلال السلام فيها، ولكن أيضاً لاستعراض عضلاتها كما يفعل الغرب. إن عرض أداء طائرات سوخوي، المقاتلة بأنواعها لهو تسويق لها، على حساب مقاتلات أميركية وأوروبية، حيث أخذت تصيب أهدافها بكل دقة وشراسة. وإطلاق روسيا صواريخ مجنحة بعيدة المدى من سفنها الحربية في بحر قزوين الداخلي، وإصابتها لأهداف محددة في سورية؛ عرض آخر لقوتها وقدرتها العسكرية. كان العالم لا يشاهد صواريخ مجنحة تنطلق وتضرب إلا من سفن أميركا الحربية لا غير.


الروس لا يخططون لحسم المعركة عسكريا على الأرض؛ وإنما لإرغام الغرب ومن يدعم الفصائل المسلحة في سورية؛ لأن يأتوا لطاولة المفاوضات في جنيف 3، لحل الأزمة السورية، سلميا بين جميع الأطراف، دون شروط تعجيزية مسبقة من أي من الطرفين.
&