عبد الرحمن الراشد

أمام لجنة استماع حول الشؤون العسكرية والسياسية في مجلس الشيوخ يوم الخميس الماضي، أجمع الشهود من الخبراء على أن روسيا بدخولها المعركة في سوريا أصبحت تمثل خطرًا متزايدًا، على الولايات المتحدة ونفوذها ومصالحها وأمن منطقة الشرق الأوسط. ووصف أحدهم ما يحدث بـ«الخطر»، وأن روسيا لم تفعلها وتقاتل خارج مناطق نفوذها حتى إبان الحرب الباردة. والحقيقة أن الخسائر الأميركية أكبر من ذلك، فالسياسة الأميركية الحالية دفعت حتى حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية ومصر والإمارات والكويت إلى توقيع عقود عسكرية مع موسكو، وهو تدنٍ لا مثيل له في العلاقات. والسبب أن هذه الدول اضطرت لمهادنة موسكو بعد أن أظهرت واشنطن عدم اهتمامها بها، وفي بعض الحالات دخلت في تحالفات معادية لدول الخليج، مثل اتفاق البرنامج النووي مع إيران وملحقاته.


جلسة الاستماع كشفت كيف أن نشاط روسيا العسكري تجرأ على ارتكاب مئات الاختراقات للأجواء الأوروبية في العام الماضي، وهو الآن يخرق أجواء تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو.


وقد لا يكون الدخول الروسي العسكري إلى منطقة الشرق الأوسط، بعد احتلاله القرم، نهاية السيناريو المقلق للغرب، ربما هو بدايته. ومن الواضح أن شهية موسكو للانتشار والتمدد وفرض موقفها وتوسيع علاقاتها هو على حساب الولايات المتحدة التي أظهرت خلال السنوات الست الماضية سياسة انكفاء متعمدة، خاصة في العراق والخليج ومصر، وصارت سلبية أكثر عندما أصرت واشنطن في البداية على مواجهة النظام الجديد في مصر بعد الثورة المضادة لحكم الإخوان في مصر، ورفضت كل المناشدات العربية من حلفائها للتعاون ضد المذابح التي ارتكبها نظام الأسد في سوريا، وزاد الأمر غضبًا عندما لم تفعل واشنطن شيئًا حيال إرسال إيران وحزب الله آلاف المقاتلين في سوريا. والآن يرى حلفاؤها العرب كيف أن الولايات المتحدة صارت ترجو من الحكومة العراقية عدم تخفيف الحراسات الأمنية في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد مما يوحي بحالة عجز أميركية غير مسبوقة منذ الستينات.


الأميركيون هم أقوى من الروس عسكريًا، لكن سياسة الإدارة الأميركية الحالية قامت على تجنب خوض الحروب والابتعاد عن الصراعات الإقليمية، ورفضت كل الدعوات للمشاركة في نزاعات سوريا وليبيا واليمن وكذلك جنوب الصحراء في أفريقيا بعد اختطاف فرع تنظيم القاعدة فتيات المدارس، وتأخرت كثيرًا حتى دخلت حرب العراق ضد تنظيم داعش.


بتوسع الروس فجأة علت الأصوات الأميركية التي تستنكر هذه السياسة الانكفائية وتطالب بإعادة النظر في استراتيجية المواجهة مع الكرملين. وفي رأيي أن الخطأ الأكبر لواشنطن ليس في سوريا بل في إيران. فقد قيدت فكرة التوصل إلى اتفاق نووي الولايات المتحدة وليس إيران، حيث إن الأميركيين تحاشوا مواجهة الإيرانيين الذين تجرأوا على التمدد عسكريًا علانية في العراق وسوريا، وكان توسعهم يخدم الروس كما نرى اليوم وعلى حساب المصالح الأميركية.


لن تستطيع الولايات المتحدة مواجهة الروس عسكريًا لأن مبررات المواجهة القانونية مفقودة، حيث لا يوجد قرار من مجلس الأمن، ولم تؤسس أميركا جماعة تدافع عنها وعن شرعيتها، كما أن الحكومة العراقية لم تعد تبالي كثيرًا باحتجاجات واشنطن، ومن المؤكد أنها سترفض منحها شرعية لجهة الروس على أراضيها.


لهذا فإن مشكلة واشنطن هي في الاتفاق الرديء الذي وقعته مع طهران وصار مثل حصان طروادة للروس، حيث يلعب الروس والإيرانيون في فريق واحد في كل من العراق وسوريا، ويتعاونون في مناطق مختلفة بما فيها أفغانستان ضد المصالح الأميركية وضد حلفائهم التقليديين.
&