سمير عطا الله

ذات عهد، كانت الصحافة شغفًا. وفي كل مكان. وكان الفن شغفنا. وفي ذلك العهد، أو العصر، كانت مجلة «روزاليوسف» ألمع اسم أسبوعي في مصر. ورئيس تحريرها محمد التابعي كان ألمع صحافي في مصر. ونجيب الريحاني كان ألمع اسم مسرحي في مصر.


لكن الألمعية ليست دائمًا المال. فقد هبط توزيع المجلة بسبب كثرة المادة الجديّة وأولها مقالات عباس محمود العقاد. ودخل الجميع في أزمة، فبدأ البحث عن وسائل لتحسين الدخل. وقال التابعي إن الوسيلة الفضلى هي الإعلان. ولكن من أين، وممن؟ لم يتردد طويلاً. ذهب إلى نجيب الريحاني وقال له: «نريد منك صفحة إعلانية بجنيه واحد».


لم يتردد الريحاني أيضًا. أجاز له أربعة أغلفة متوالية من مسرحه. وبقيت مشكلة بسيطة واحدة: من أين يأتي الجنيه؟ إنه أجرة عشرة ممثلين في المسرح الذي يُضحك مصر كل يوم. هكذا استمرت الأزمة في المجلة والمسرح معًا. لكن بقيت صاحبة المجلة «روز اليوسف» تكافح، وبقي معلّم الصحافة المصرية محمد التابعي يحمل المواد إلى المطبعة بنفسه، وبقي نجيب الريحاني يطل على المسرح فيملؤه إشراقًا ولمحات وطرب النفس.


عندما نقول الرواد، لا نعني فقط الأوائل والمؤسسين. نعني أيضًا المعاناة والكد والمثابرة والتحمُّل. عندما أطلقت روز اليوسف مجلتها من غرفة في قبو، كانت أهم ممثلة مسرحية في مصر. وعندما حمل التابعي المواد إلى المطبعة، كان من كبار موظفي مجلس النواب. الريادة لا تأتي بسهولة. وأول شروطها أن تحب ما تفعل، لا أن يكون مجرد ذريعة للتكسب. وثانيها أن تكون موهوبًا، فلا إبداع بلا موهبة، بل نسخة صينية عن عمل لليوناردو دافنشي.


وثمة فارق بين أن تكون تلميذًا أو مزورًا. خرج من مدرسة التابعي تلامذة مثل محمد حسنين هيكل، ومصطفى وعلي أمين، وجلال الدين الحمامصي، كما خرج مئات المقلدين الذين لا نعرف من هم، وقد لا يهمنا أن نعرف، بل قد لا يكون ذلك مهمًا لأحد. لا يزال التابعي بعد ثمانين عامًا على صحافته معلم الكبار. ولا تزال روز اليوسف رائدة المسرح، ولا يزال مسرح العراقي نجيب الريحاني هو مرجع المسرح العربي. وله تلامذة كثيرون، في عهده ومن بعده، أما المزوّرون أو الفاشلون في التقليد، فقد طمرهم خواء المواهب.
&