فاتح عبدالسلام


يكفي أن يتتبع الروس من راصدي السياسة الامريكية مواقف الرئيس باراك أوباما على مدى سنة واحدة تمتد من فترة انسحاب الجيش الامريكي من العراق في في كانون الاول 2011 حتى نهاية العام التالي له والذي شهد استعار الحرب في سوريا ،ليتأكدوا بسهولة أن قواعد اللعبة تغيرت في الشرق الأوسط وأن الامريكان جادون في تخفيف وجودهم هناك وانهم بدأوا يتعاطون بطريقة مختلفة مع الاحداث والدول ، حتى ظن الناس أن لا موضوع في خطب أوباما سوى التغني بالانسحاب بوصفه انجازاً لن يقبل له أن ينتكس. لاسيما ان واشنطن كانت ماضية بجدية واضحة للتسوية النووية مع ايران البلد المزعج لهم في هذه المنطقة المليئة بحلفاء باتوا عبئاً غير مريح على الادارة الامريكية . حيث الحليف الاسرائيلي بات عنيفاً في مخالفته الرؤية الأمريكية في التعاطي مع شؤون في المنطقة كالملف النووي والذي كان لدى الرئيس الامريكي ملفاً مزدوجاً ،داخلياً وخارجياً. وكذلك الحليف العراقي الذي فشل في صناعة دولة في اعقاب الانسحاب الامريكي ونخرت الدولة أثقال الفساد الذي لايتيح أرضية صالحة لتحول العراق الى حليف اقتصادي نوعي ،الى جانب التبعية في بغداد الى ايران بشتى المواقف العامة وخاصة الموقف من وضع سوريا وتحول بالفعل الى عبء واتضح ذلك حين أصبح اكثر من ثلث العراق بيد تنظيم داعش.
أما دول الخليج وهم ذوو الحظوة الأكبر لدى واشنطن فقد تقسموا في ولاءاتهم تبعاً لمصالحهم الاقليمية التي باتت تضغط عليهم بقوة ،وشعروا أن الامريكان تغيروا كثيراً ،وأصبح لا يُعول عليهم عند مناقشة الخطر النووي الايراني معهم وهو أكبر المشاغل السعودية .
الروس أمام فرصة تاريخية لا تعوض حيث وجدوا المجال الذي ظنوا طويلاً أنه محرم أو مقيّد أمامهم في الشرق الأوسط بات مفتوحاً لهم لكن كان بهم حاجة ومسوغاً لجعل وصولهم الى المنطقة طبيعياً . في البداية كانوا يواجهون معوقات ضمنية أنتجهتها عملية التغيير فيما يسمى بالربيع العربي الذي انطلق من تونس ليشمل ليبيا ومصر، وحين وصلت العملية الى سوريا كانت الخبرة المكتسبة لموسكو وللحكم في دمشق كافية لقطع الطرق الموصلة الى ذات الاهداف التي وصل اليها منظمو الاحتجاجات بسهولة في أماكن أخرى من العالم العربي.فقررت روسيا بسرعة تبني دعم حليفها بدمشق لاسيما انه يبدي طاعة لم يكن يبديها حليف قلق في ليبيا يوم خسرتها موسكو أو خدعت بخسارتها أمام التحالف الأوروبي. منطقة الشرق الأوسط حيوية ولابد أن يكون فيها لاعب دولي كبير.ايران لم تستطع أن تكون ذلك اللاعب وفشلت في الحسم العسكري في سوريا،وأمريكا لن تمد يدها بشكل يسحب باقي جسدها الى مستنقعات المنطقة التي يعرف الأمرلريكان لوعة التلوث فيها. اذن لابأس أن تكون روسيا في المنطقة لتواجه استحقاقات لم تعد واشنطن راغبة في تحملها لوحدها فشلاً ونجاحاً.
من الصعب جداً القول ان هناك تفاهمات عميقة بين موسكو وواشنطن على التدخل الروسي ،لكن من الواضح أن هناك تفهماً أمريكياً للخطوة الروسية وتفهماً ماكراً أيضاً في انتظار نتائجها. شتان بين التفهم والتفاهم.