مصطفى الكاظمي


&تعدّ العلاقة السعوديّة – العراقيّة أحد المفاتيح الرئيسيّة للمشكلة والحلّ في وقت واحد لأزمات الشرق الأوسط. فقد ساهم الابتعاد، وأحياناً العداء بين الطرفين، في تعزيز مواقف الجماعات المتطرّفة النّاشطة في المنطقة والمعادية لكليهما. والآن، رغم التّأخير الطويل، تشهد العلاقة الثنائيّة بين الطرفين منحى إيجابيّاً من خلال سعيهما إلى توطيدها وتعزيزها. فبعد ٢٥ عاماً من البرود في العلاقات، والّتي بلغت القطيعة الديبلوماسيّة لمدّة طويلة، أعلن الطرفان تعيين سفراء جدد على مستوى عال من التّمثيل. وبعثت الحكومة العراقيّة سفيرها رشدي العاني إلى الرياض في 20 أيلول/سبتمبر، وهي تنتظر استقبال السفير السعوديّ المتوقّع وصوله لبغداد خلال أيّام. وينتمي رشدي العاني إلى عائلة سنيّة من محافظة الأنبار، وكان سابقا سفيراً للعراق في باكستان، ممّا يساعد في تسهيل مهمّته الجديدة في السعوديّة.

&

&وكانت الرياض قرّرت في نيسان/أبريل الماضي تعيين العميد ثامر السبهان الذي أدى القسم أمام الملك سلمان بن عبدالعزيز، في 2 يونيو 2015 لتسلم منصبه الجديد.

و كان ملحقاً عسكريّاً لدى لبنان، سفيراً لها لدى العراق. وأعلنت أنّها ستفتتح سفارتها في بغداد وقنصليّة جديدة لها في أربيل، عاصمة إقليم كردستان بعد عيد الأضحى الموافق في 24 أيلول/سبتمبر. غير ان السفارة والقنصلية لم تباشرا اعمالهما الفعلية إلى تاريخ كتابة هذا التقرير.

وفي المقابل، أعلنت وزارة الخارجية العراقية في 5 يناير/كانون الثاني 2014 أنّها أكملت جميع التسهيلات إلى السعودية من أجل المساعدة في افتتاح سفارتها ويمتلك السفير السعوديّ الجديد علاقة طيبة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، إذ حصل على أوسمة شرف من وزارة الدّفاع الأميركيّة لدوره في عاصفة الصحراء وعمليّات تحرير الكويت.

وتزامن الموقف السعوديّ مع مبادرة مشابهة من قبل أمير القطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بإرسال السفير الأوّل لبلده إلى العراق بعد القطيعة الّتي حصلت إثر غزو العراق للكويت في عام 1990، إذ أصدر قراراً في 10 أيلول/سبتمبر بتعيين زايد الخيارين "سفيراً فوق العادة مفوّضاً لدى جمهوريّة العراق".

وكان تزامن ذلك الإعلان مع توجيه الحكومة العراقيّة انتقادات شديدة لحكومة قطر بسبب استضافتها مؤتمراً للمعارضة العراقيّة السنيّة في الخامس من أيلول/سبتمبر، ولم يؤثّر الموقف العراقيّ على قطر من المضي إلى تحسين علاقاتها مع بغداد.

ورغم الفسحة الواسعة للمصالح المشتركة بين العراق والسعوديّة، التي تتمثّل في الحدود المشتركة بين البلدين بطول 1000 كيلومتر، والتحدي المشترك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أعلن انه يسعى إلى إسقاط النظام السياسي في كلا من العراق والسعودية، إضافة الى المنافع الاقتصادية والتجارية المشتركة، والتاريخ الواحد، لم ينجح الإثنان في بناء علاقات طيّبة طوال سنوات ما بعد 2003، بسبب اتهام بغداد للرياض بانها تدعم أطراف عراقية معارضة ، فيما ترى الرياض إن بغداد تتبع سياسات ايران المناهضة لها.

لقد خسر البلدان فرصة بناء تعاون إقليميّ في محاربة الجماعات المتطرّفة الّتي لا تفرّق في مشروعها التدميريّ بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة، فالعراق والسعودية من وجهة نظر القاعدة و"داعش" يعتبران أنظمة كافرة وغير شرعيّة، ممّا يوجب محاربتهما، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بطبيعة أنظمة الحكم في المنطقة سواء أكانت ديموقراطيّة أم قبليّة أم قمعيّة أم عسكريّة أم حتّى دينيّة، وإنّما هو مرتبط بطبيعة تكوين الجماعات المتطرّفة الّتي تسعى في صميم إيديولوجيّتها الّتي تقسّم العالم إلى دارين أو محورين، هما "دار الإيمان" الّتي تضمّ فقط المؤمنين بالمشروع الإرهابيّ المتطرّف لجماعات السلفيّة الجهاديّة، و"دار الكفر" الّتي تضمّ كلّ البشريّة بصرف النّظر عن انتمائها إلى مذاهب إسلاميّة مختلفة أو إلى أديان وعقائد أخرى.

وحتّى غزو "داعش" للعراق في 10 حزيران/يونيو من العام الماضي وإحكام سيطرته على ثلث الأراضي العراقيّة، لم يحفزا العراق والسعوديّة على فتح صفحة جديدة للعلاقات لمواجهة التحدّي الجديد الّذي يعدّ خطراً مشتركاً عليهما، وذلك رغم قيام "داعش" بتهديد السعوديّة والهجوم على مخافرها الحدوديّة مع العراق، في 4 كانون الثاني/يناير 2015 .

واكتفت السعوديّة بمشاركة محدودة في التّحالف الأميركيّ ضدّ "داعش" ولم تخطّ خطوات أكبر للّتعاون مع العراق على هذا الصعيد، وكانت العوامل السياسيّة والحساسيّات، لا الضرورات الواقعيّة هي ما تحول دون ذلك.

وقد يفسّر سبب تردّد السعوديّة في الانفتاح الكامل تجاه العراق إلى وضع التّحالفات الإقليميّة في المنطقة، فهي ترى في العراق حليفاً سياسيّاً لإيران الّتي تنافسها في بسط السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، ولكن مع التّعقيد المستمرّ لمشهد التّحالفات السياسيّة في المنطقة، يبدو أنّ العراق والسعوديّة أيضاً يتّجهان نحو بناء استراتيجيّة ذات تنوّع وتعقيد أكبر في علاقاتهما السياسيّة الحاليّة في المنطقة.

وكما يحتفظ العراق بتعاون وإتّفاقات أمنيّة مع كلّ من إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة، رغم الخلافات القائمة بينهما، يمكنه أن يؤسّس لعلاقات إيجابيّة وتعاون بنّاء مع السعوديّة بجانب إيران رغم الخلافات القائمة بينهما، ولغة الديبلوماسيّة الحكيمة لا تفرض التخندق في المحاور بقدر الانفتاح على الحوار وإيجاد سبل التّعاون رغم الخلافات. وإنّ العراق تحديداً هو البلد الّذي من شأنه أن يجمع المصالح الإيرانيّة والسعوديّة معاً، وذلك من حيث أنّ البلدين يقاتلان "داعش" على أرض العراق، إيران مع قوّات "الحشد الشعبيّ"، والسعوديّة مع الائتلاف الأميركيّ ضدّ "داعش".

ويبدو أنّ هذه الاستراتيجيّة تتّبع من قبل السعوديّة أيضاً، فهي رغم تصاعد وتيرة الصراع بينها وإيران، لا تريد أن تبرمج علاقاتها مع حلفاء إيران ضمن السّياق نفسه، بل تطمح إلى تنويع علاقاتها وتوسيعها على أسس متنوّعة كي تحافظ على أكبر قدر من مصالحها الإقليميّة. وقد ظهرت بوادر ذلك منذ ترحيب السعوديّة في الثامن من آب/أغسطس 2014 باختيار العبادي رئيساً للوزراء. وقد ساعدت السياسة المعتدلة للعبادي طوال العام الأوّل من رئاسته للحكومة العراقيّة في ترغيب السعوديّة للمضي في سياستها التقريبيّة تجاه العراق. كما أنّ رؤية المرجعيات الدينية في النّجف في ضرورة تحسين العلاقات العراقيّة – السعوديّة قد ساهمت في تسريع التّقارب بين البلدين.

وفي المحصلة، إنّ التّقارب السعوديّ - العراقيّ ضرورة ملحّة لا تصبّ فقط في مصلحة البلدين، بل تساعد في خلق توازن في المنطقة من جهة، وتقوية مسار السلام والاستقرار من جهة أخرى. ومن مصلحة البلدين الارتقاء بعلاقاتهما، انطلاقاً من عقد إتفاقيّات أمنيّة وتعاون استراتيجيّ في محاربة "داعش" والجماعات المتطرّفة الأخرى الّتي تهدّدهما معاً، لكنّ الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فالسعوديّة الّتي تتمتّع باقتصاد صلب بإمكانها أن تسهم بشكل حقيقيّ في مساعدة العراق على تجاوز أزمته الإقتصاديّة، وأن يكون لها حضور على مستوى إعادة إعمار المناطق الّتي تمّ تحريرها من تنظيم "داعش"، مثل ديالى وتكريت شمالي بغداد.وفتح أبواب للتّعاون التجاريّ والنفطيّ بين البلدين اللّذين تجمعهما الجيرة التاريخيّة والحدود والمصالح المشتركة والمتشابكة سياسيّاً وإقتصاديّاً وإجتماعيّاً وثقافيّاً.

إنّ الحثّ المستمرّ على بناء علاقات عراقيّة - سعوديّة متينة من عدمه، ليس خياراً انتقائيّاً لدى ساسة البلدين، بل هو ضرورة واقعيّة وقدر جغرافيّ وثقافيّ لا يمكن تجاوزه، والقطيعة الّتي استمرّت نحو 25 عاماً، كانت قد خلفت أضراراً يدفع الشعبين والمنطقة بأسرها أثماناً باهظة لها اليوم.

&

&