&علي بن حمد الخشيبان

لنعُد بالذاكرة قليلا الى مابين عام 1980م ومنتصف التسعينيات الميلادية ونطرح السؤال التالي: ماهي التحولات التي مررنا بها في محاربة التطرف..؟ وهل كنا نسأل الأسئلة الصحيحة منذ ذلك الوقت..؟، وما المشكلة التي جعلت شبابنا لايستجيبون لكل جهود التوجيه والتوعية التي قدمت لهم خلال عقود من الزمن..؟

من المؤكد أن شبابنا قد وقعوا في تجاذب كبير بين الداخل والخارج من أجل جر الكثير منهم الى ساحات التطرف، وهذه قضية يجب أن نعترف بها وفي ذات الوقت يجب ألا ننسى أن الجهود الرسمية الراغبة في توجيه هؤلاء الشباب وقفت بشكل صحيح في محاولة لتحذيرهم من الدخول في متاهات أيديولوجية تؤدي بهم الى الانزلاق في مسارات التطرف.

لم تكن الصحوة ثقافة سلمية في المجتمع بل كانت تفرض ما تريد عبر وسائل استطاعت من خلالها أن تفرض ما تريد إما بالتهديد أو بالمجاملة أو استثمار بعض قنوات الدعم الرسمي لجهود الصحوة
لقد كانت الأطراف كثيرة من اجل جر هؤلاء الشباب الى ساحات الصراع منها اطراف خارجية وأطراف داخلية، كلها تريد أن تدفع بهؤلاء الشباب الى ساحات الصراع، والحقيقة أننا منذ اكثر من ثلاثة عقود ونحن نعاني من ازمة التعرف على الداء الحقيقي، كما أنه ليس لدي شك بأن المجتمع وبمؤسساته الرسمية يملك النفوذ الحقيقي بإخضاع الثقافة التي تنتج هؤلاء للمساءلة بشكل مباشر ولكن السؤال هل حدث ذلك فعليا..؟

في بداية الثمانينيات الميلادية بدأت ظواهر التشدد في المجتمع تتبنى اشكالا جديدة من ثقافة التدين، وقد فوجئ المجتمع بتلك التطورات التي كانت موجهة للشباب بشكل مباشر وبدأت ظاهرة الالتزام الديني تنتشر بين الشباب في المجتمع بفعل الجهود الفكرية من ثقافة الصحوة التي وجدت نفسها تدير المجتمع دون أن تجد معارضة أو توجيها في المجتمع، تمكنت الصحوة من تأسيس ثقافة للتدين تتعارض تماما مع الأصول الأساسية التي كان المجتمع يستخدمها في تقييم وتعريف ظواهر التدين، وهذا ما ساهم في ترسيخ الأفكار الجديدة لثقافة التدين عبر اختيار فئة الشباب لحملهم على تبني هذه الأفكار دون غيرهم.

فرضت الصحوة الأفكار الغريبة على المجتمع وساهمت في بناء منهج فكري ساهم في بناء شباب تشكلت عقولهم في اطار ديني ابعد من المجتمع ذاته وطريقة تدينه، لقد تم بناء الشباب في المجتمع وفق فلسفة اممية تجعل تفكيرهم يتجاوز التدين المحلي الذي كان سائدا لدى آبائهم وأجدادهم الى تدين من نوع جديد تختلط فيه المفاهيم الدينية والسياسية والاقتصادية.

منذ تلك اللحظات بني التدين في المجتمع ليكون فكرة اممية وليس فكرة محلية وبنيت ثقافة التدين خلال اكثر من ثلاثة عقود في اطار مسؤولية اممية عن كل ما يحدث للإسلام في أي بقعة في هذا العالم، هذه الثقافة صنعت أول خطوط المواجهة مع غير المسلمين.

أصبحت الفكرة السائدة في ثقافة التدين هي المواجهة مع غير المسلمين ومع ثقافتهم، بمعنى آخر أصبحت هذه الثقافة تؤكد لمعتنقيها أن أي فرد غير مسلم هو عدو يجب حربه وحرب ثقافته.

لقد عملت الصحوة كثقافة مسؤولة عن تحويل فكرة التدين من التسامح الى التشدد، ومن المحلية الى الأممية، على ترسيخ هذه الفكرة وتعزيزها عبر الخطاب المحلي فقد ساهم الخطاب الدعوي في المساجد والمحاضرات التي سيطرت عليها الصحوة في ترسيخ فكرة العداء للآخر عبر استخدام فكرة مواجهة المشركين والكافرين ومن يناصرهم أو يجاملهم، ووصلت ثقافة الصحوة الى المؤسسات التربوية وغيرها من مؤسسات المجتمع واستطاعت أن تغير في ثقافة تلك المؤسسات مستثمرة طبيعة المجتمع العقدية.

لم تكن الصحوة ثقافة سلمية في المجتمع بل كانت تفرض ما تريد عبر وسائل استطاعت من خلالها أن تفرض ما تريد إما بالتهديد أو بالمجاملة أو استثمار بعض قنوات الدعم الرسمي لجهود الصحوة، هذه الثقافة التي بنيت خلال عقود مضت هي التي شكلت ما نراه اليوم من صور مختلفة من الانحرافات الفكرية الخطيرة.

لقد ساهمت القراءة المنحازة والمجامِلة للواقع الصحوي في المجتمع وتغيير الثقافة المجتمعية في تغييب الكثير من الحقائق.

على سبيل المثال شاركتُ شخصيا في مناقشة عشرات الاستراتيجيات التي كانت تدعو الى محاربة التطرف والتشدد في المجتمع حيث كان العامل المشترك بين هذه الاستراتيجيات جميعها أنها لا تريد أن تسأل الأسئلة الحقيقية عن أسباب التطرف، وفي ذات الوقت لاتريد أن تبحث عن الإجابات الصحيحة خلف أسباب التطرف ودوافعه.

إن التطورات التاريخية التي مرت بها ازمة التشدد تنبئنا بأن هناك خطورة مستقبلية اكثر مما نحن فيه الان..!، فعبر تاريخنا الاجتماعي يمكننا قراءة هذه الخطورة فعلى سبيل المثال عندما انطلقت فكرة الصحوة التي تبنت ثقافة التشدد كانت هناك عدة صور من المواجهات التي تطورت عبر تاريخ المجتمع وكانت على النحو التالي، في البداية تم فرض التدين عبر صورة محددة للمتدين في المجتمع، وبدأ الكثير من الشباب يتبنى هذه الصورة بفعل فرضها في المجتمع والمؤسسات التربوية واستخدم الدين ككلمة السر لفرض هذه الصورة للمتدين ومظهره الخارجي.

في المرحلة الثانية بدأت المواجهة بشكل تدريجي بين الفئات المتشددة وبين افراد المجتمع عبر فرض ممارسات معينة، ومع الأسف أن الصحوة استخدمت فكرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لممارسة وفرض تصورات بعينها على المجتمع من اجل إحكام السيطرة بشكل كامل مجتمعيا من اجل القضاء على مناهضي الصحوة من مثقفين ومفكرين وغيرهم.

المرحلة الثالثة هي الانطلاق خارج المجتمع وترسيخ فكرة الأممية من خلال تبني فكرة الجهاد ونصرة الإسلام والمسلمين ومحاربة غير المسلمين وفي هذه المرحلة بدأت الازمة تبدي خطورة اكبر وشهد المجتمع أولى النتائج عبر ممارسات وتفجيرات لم يستخدم فيها المتطرفون انفسهم مثلما حدث في تفجير العليا عام 1995م، اما المرحلة الرابعة فقد تطورت المفاهيم وأصبحت العمليات الانتحارية سمة للتطرف والتشدد وحصد المجتمع الكثير من العمليات الانتحارية الخطيرة التي استخدمت فيها فكرة الهجوم بالسلاح والانتحار كما حدث في تفجيرات العام 2003م وما بعدها. المرحلة الخامسة التي مر بها التشدد والتطرف هي المزج بين الأفكار الانتحارية الهجومية، والانتحار عبر فكرة التفخيخ ولبس الاحزمة بهدف المواجهة مع المجتمع وتحديدا مؤسساته الأمنية في محاولة لعزل المجتمع عن مؤسساته الأمنية والحكومية عبر ممارسات موجهة نحو رجال الامن ومؤسسات الدولة وهنا تكمن الخطورة الأكبر كون هذه الفئات المتطرفة قد تؤسس لمرحلة تطرفية سادسة لانعلم اين وكيف ستكون وجهتها ومدى خطورتها على المجتمع.