&أيمـن الـحـمـاد

لم يمنع المملكة قلقها ورفضها التدخل الروسي العسكري في سورية من فتح قناة تواصل نشطة ورفيعة المستوى بين القيادتين في البلدين، وهذه المبادرة من الرياض تأتي استجابة منها وإيماناً بضرورة الوقوف على مستجدات الأزمة بدلاً من المراقبة عن بعد، أو الحديث عبر وسطاء، أو تمرير الرسائل عبر وسائل الإعلام، أو جس نبض قد يوحي أو يعطي إشارة خاطئة أو غير دقيقة.

أثارت خطوة موسكو العسكرية الكثير من التساؤلات حول غاياتها وأسبابها.. وعلى الرغم من أن روسيا قد ألمحت في وقت مضى أنها تأمل في تشكيل تحالف يضم عدداً من الدول، بالإضافة إلى النظام السوري لمحاربة «داعش»، إلا أن طلبها أو مبادرتها لم تكن لتتم لأنها كانت تعني ببساطة الانقلاب على ثورة الشعب السوري الذي تعد معاناته جراء أعمال نظام الأسد الأكثر دموية وهولاً منذ الحرب العالمية الثانية.

واليوم ومع انخراط روسيا عسكرياً في سورية تحت ذريعة ضرب التنظيمات المتطرفة، تخشى المملكة أن يسهم التدخل الروسي بمشاركة المليشيات الإيرانية في سورية إلى جعل موسكو طرفاً في حرب تنحو منذ وقت طويل منحى طائفياً مقيتاً تستعدي من خلاله جانباً أو طرفاً على حساب طرف آخر، إذ إن التغيير الاثني حاصلٌ اليوم في مناطق عدة في سورية بشكل يوحي بأن هناك تحضيراً من أجل تقسيم سورية، وهو ما ترفضه المملكة وبشدة.

كما أن التدخل الروسي، وما يمكن أن يؤول إليه، قد يسهم في استقطاب المتطرفين، وحتى أولئك المترددين أو المنضوين تحت ألوية المعارضة المعتدلة الذين قد يجدون أنفسهم تحت ألوية التنظيمات المتطرفة بحجة استهدافهم عسكرياً من قبل روسيا، وكذلك تحت ذريعة خوض غمار حرب سيصفونها بالطائفية أو المقدسة، وهو أمرٌ قد تترتب عليه تبعات استراتيجية ستعمّق أثر الأزمة السورية على المنطقة، وتعقّد من فرض أي حلول سياسية قد تكون مستساغة اليوم.

موسكو هي صاحبة عقد مؤتمر جنيف الذي تمخضت عنه المبادرة الشهيرة، وطالبت المملكة وغيرها من الدول اعتمادها وتنفيذها كحل سياسي يسهم في إنهاء الأزمة، التي تدخل عامها الخامس دون أفق واضح ينزع الفتيل المشتعل، والذي امتد شرره ليصل إلى أنحاء متفرقة في أوروبا وحول العالم.

ولا شك أن المملكة مهتمة ومضطلعة في مهمة القضاء على الإرهاب، وترغب في أن تسهم روسيا بشكل ما في التحالف الدولي القائم منذ أكثر من عام، إذ إن تشتّت الجهود وتبعثرها سيضعف لا محالة الحرب على التنظيمات الإرهابية.