زهير الدجيلي
&
&
على خلاف التصورات الإعلامية التي جعلت من اقليم كردستان «جنة الديموقراطية» وواحة الاستقرار مقارنة بباقي المحافظات العراقية. انكشف ذلك الغطاء الاعلامي عن واقع كان يمكن ان يظهر للعيان منذ سنوات، لكن التغطية عليه كانت تجري باثارة الخلافات يوميا مع بغداد والدعوة الى الاستقلال والعزف على الوتر القومي وتأجيل الاستجابة بشتى الذرائع لمطالب الجماهير الكردية التي تعاني من مشاكل معيشية كثيرة.
لكن النار لم تبق طويلا تحت الرماد فاندلعت التظاهرات في الاقليم بشكل عنيف تصدت لها قوات الحزب الحاكم (حزب البرزاني) بالقوة فسقط قتلى وجرحى، واتهمت حكومة البرزاني حزب التغيير، الذي برز في السنتين الأخيرتين قوة كبيرة، اتهمته بتحريك المعارضة ضد الحكومة، وقامت باجراءات أثارت الاستهجان حين طردت رئيس البرلمان الكردي من أربيل لأنه (من قيادات التغيير) كما طردت اكثر من ثلاثين نائبا معه ودعت الى الرجوع لوضع الحكومتين.


واعلن رئيس حكومة كردستان نيجيرفان برزاني فض الشراكة السياسية مع حركة التغيير، وأبلغ وزراء الحركة بقرار عزلهم من حقائبهم الوزارية، كما اعلنت قيادة الحزب الديموقراطي التي تملك اكبر كتلة نيابية في برلمان الاقليم ان رئيس البرلمان الكردي يوسف محمد لم يعد رئيساً بعد إنهاء اتفاق الشراكة وبموجب النظام الداخلي فإن نائب رئيس البرلمان سيصبح رئيساً، فيما سيتولى وزراء في الحكومة الحقائب الوزارية التي كان يشغلها المعزولون.
وأغلقت طرق العودة للتوافق والحوار، مما أثار الدهشة لدى اوساط محلية واقليمية راحت تتساءل: اين هي الديموقراطية وأين الدستور في عرف الحزب الحاكم الذي طالما ردد شعاراتهما؟


الوجه السياسي للازمة تمثل بتفرد حزب البرزاني بالحكم رغم وجود تحالف هشّ يضم خمسة أحزاب رئيسية وأربعة أحزاب صغيرة. وأصبح هذا الائتلاف أو التحالف متأرجحا مريضا بوجود حكم الحزب الواحد الذي لا يريد ان يترك السلطة وفق الاستحقاقات الانتخابية. فرئيس الاقليم مسعود البرزاني انتهت ولايته مرتين ووفق الدستور لا يحق له ان يمدد. والوجه الاقتصادي للأزمة تمثل في فقر شائع وبطالة بين الشعب وعدم صرف الرواتب وتدني الخدمات وظهور طبقة طفيلية استحوذت على مفاصل الاقتصاد في الاقليم.


كما ان البرلمان لم يعد فاعلا ازاء طبيعة النظام الفردي الذي بات الفساد يستغل طبيعته الدكتاتورية وينفذ الى جميع مرافق الاقليم حتى ظهرت طبقة سياسية ارتبطت بحكومة الفرد الواحد وراحت ترفض التغيير.
وواجهت حكومة الحزب الواحد الاحتجاجات ضد تمديد الرئاسة وضد استشراء الفساد وظهور (كارتيلات عائلية) تسيطر على كل شيء واجهتها الحكومة بالقمع، فأغلقت صحفا واعتقلت صحافيين بعضهم تعرض للاغتيال ومارست سياسة شراء الذمم شأنها شأن حكومات بغداد السابقة واللاحقة.


وصل الحال الى دفع الأوضاع الى نقطة الصراع الأولى، حين كانت في الاقليم حكومتان، واحدة في السليمانية لحزب الطلباني، والثانية في أربيل لحزب البرزاني بعد جولات اقتتال سابقة بين الحزبين سقط فيها أكثر من ستة آلاف قتيل. وكما يبدو ان الكلام بالمبادئ والأخلاقيات الصحيحة بات عكس الأفعال التي تجري الآن في الاقليم. فالقائد البرزاني بات يضرب بيد من حديد على رؤوس رفاق الأمس، وهذا ما لا يستحقه الشعب الكردي الذي بذل تضحيات كثيرة من أجل مستقبله.
كان يجب على حكومة أربيل ان تذهب للحوار والتوافق والتهدئة وتلبية مطالب الجماهير، وأن تتذكر المثل الذي يقول «لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك»!

&