&صالح القلاب
&
عندما يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "لا نريد أن نتورط في حرب دينية في سورية"، فإن المفترض أن يدقق في الذين تُشكِّل طائراته الحربية لهم غطاءً جويّاً على الأرض، والذين تستهدفهم هذه الطائرات، وهؤلاء، بالتأكيد، ليسوا تنظيم "داعش"، ولا بعض التنظيمات الأخرى التي تُتَّهم بالإرهاب، بل هم الجيش الحر والمعارضة المعتدلة، وأغلب الظن أن "فخامته" يعرف، اعتماداً على أجهزته التي لها جذور قديمة عميقة في هذا البلد العربي، أن هذه المجموعة ذات لون ديني- مذهبي معروف هو الطائفة السنية التي تشكل نسبة نحو سبعين في المئة من مجموع شعب القطر العربي السوري".
وبالتأكيد فإن "فخامته" يعرف أن الاصطفاف إلى جانب بشار الأسد ونظامه، سابقاً ولاحقاً وحتى الآن، هو اصطفاف مذهبي مقيت، والمقصود ليس الطائفة العلوية، التي جرى اختطافها مبكراً من نظام طائفي لا نظام الطائفة، بل "حزب الله" اللبناني وفيلق القدس الإيراني وحراس الثورة الإيرانية والشراذم التي تم استيرادها على أسس طائفية من كل أرجاء المعمورة... من أفغانستان وباكستان والهند... وحتى من الصين التي لا تزال عملياً تنأى بنفسها عن هذا الصراع، الذي تقصَّد حكام دمشق وأعوانهم تحويله إلى الطبيعة المذهبية والطائفية.


قد تورطت روسيا فعلاً في هذا الاقتتال المتواصل في سورية منذ نحو خمسة أعوام، والذي حوله نظام الأسد، بتخطيط ودعم إيران، من صراع سياسي بين شعب ينشد الحرية والانفتاح وبين طغمة عائلية مستبدة وفاسدة، إلى "حرب دينية" مذهبية، وهذا بالتأكيد يعرفه فخامة الرئيس الروسي بحكم خلفيته الاستخبارية، وبحكم أنه، تيمناً واقتداءً بأساليب وطرق "الرفيق" ستالين، يمسك بمقاليد بلده بقبضة حديدية!
عندما يضع "فخامة" الرئيس فلاديمير بوتين، الذي لولا تورطه وتوريط روسيا عسكرياً في هذا الصراع المحتدم في سورية لبقي مثار إعجاب القوى الشابة في الوطن العربي كله، بلده في هذا الحلف... حلف بغداد الجديد الذي لا يضم عمليّاً وفعلياً إلا إيران وأتباع إيران في العراق ونظام بشار الأسد، الذي هو نظام طائفي لا نظام الطائفة العلوية الكريمة، إضافة إلى "حزب الله" اللبناني الذي لا يتنفس إلا مذهبياً وطائفياً، فإنه يكون قد أقْحم روسيا، من أوسع الأبواب، في "الحرب الدينية" التي قال إنه لا يريد أن يتورط فيها!


كيف لم تتورط روسيا في هذا الصراع، الذي يُفترَض أنه صراع سياسي بين الخير والشر، وبين الباطل والحق، والذي حولته إيران وحوّله الأسد ونظامه إلى صراع طائفي ومذهبي، بل إلى "حرب دينية"، وقد انحازت مبكراً منذ اللحظات الأولى، إلى جانب نظامٍ كلُّ تاريخه مجازر واغتيالات، ويعتبر أحد ما تبقى من "نماذج" القرن العشرين الاستبدادية، وهي، أي روسيا، قد دخلت هذه الحرب الدينية منذ بدأ سلاحها الجوي غاراته المكثفة على مراكز الجيش السوري الحر والمعارضة المعتدلة؟
قد بقينا، على مدى خمسة أعوام وأكثر، نتحاشى استخدام هذه اللغة البائسة التي ما كان يجب استخدامها لو لم يبلغ الاستقطاب الطائفي حول إيران وحول نظام الأسد ذروته، ولو لمْ تُحوِّل طهران وتفرعاتها في هذه المنطقة هذا الصراع المحتدم في سورية واليمن والعراق... وأيضاً في لبنان، من صراع سياسي إلى صراع مذهبي مقيت... لقد بتنا مجبرين على تسمية الأشياء بأسمائها... ونقول لفخامة الرئيس فلاديمير بوتين، إن روسيا قد تورطت فعلاً في حرب دينية عندما بادرت مبكراً إلى وضع نفسها وإمكاناتها في الكفة المذهبية والطائفية من هذا الصراع، وعندما تدخلت أخيراً كلَّ هذا التدخل العسكري الهائل في الشؤون الداخلية السورية، وانخرطت في هذه الحرب المحتدمة وهي تعرف أن الإيرانيين قد أرادوها، منذ البدايات، حرباً دينية مقيتة مدمرة.