وحيد عبد المجيد

لا يزال الهدف المحدد وراء التدخل العسكري الروسي في سوريا مثيراً للجدل بعد أسبوعين على بدايته. فقد اختلف المعنيون بهذا التدخل، سواء كانوا خبراء أو سياسيين في دول عدة، على هذا الهدف كما لم يحدث في أي حرب منذ مطلع العصر الحديث. ويعود ذلك إلى عاملين؛ أولهما عمومية الهدف الروسي المعلن، وهو محاربة الإرهاب أو القضاء عليه، وثانيهما عدم وجود حدود واضحة لما تقصده روسيا بالإرهاب حين يتعلق الأمر بسوريا. لكن ما يمكن استنتاجه من الاتجاه العام في الخطاب الرسمي الروسي هو أن الجميع في سوريا إرهابيون، فيما عدا نظام الأسد الذي تسبب في قتل نحو ثلاثمئة ألف وتشريد ملايين السوريين بمشاركة حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم التي تدرج موسكو جرائمهم ضمن «النضال العالمي ضد الإرهاب». فالمفهوم الروسي للإرهاب فضفاض يشمل كل من يرفع السلاح ضد نظام الأسد. ورغم أن موسكو تستثني «الجيش السوري الحر»، فهي تشكك في وجوده على الأرض، وترى أنه لم يعد ذا أثر رغم أن طائراتها قصفت بعض مواقعه.

&


وإذا أضفنا إلى ذلك دعم روسيا الكامل لنظام الأسد، وتعاونها مع إيران في مساندته منذ فجر الانتفاضة ضده وقبل أن يتمكن من إغراقها في الإرهاب، يصبح هدفها المعلن من محاربة الإرهاب عنواناً عاماً بلا محتوى.

لذلك ربما تفيد متابعة تطور الغارات الروسية على سوريا خلال الأسبوعين الماضيين، وتحديد المناطق التي شملتها، في فهم الهدف المحدد لهذا التدخل وإجلاء ما يكتنفه من غموض.

وتدلنا هذه المتابعة على أن الضربات التي استهدفت مواقع لتنظيم «داعش» تراوحت بين 30 و40٪ فقط من إجمالي الطلعات الجوية التي نفذتها القوات الروسية. ويفيد التصريح الروسي الوحيد الذي اتسم بالتحديد، قبل أن يُفرض تعتيم كامل على العمليات العسكرية، أن هذه النسبة وصلت 45٪ في اليوم الثاني للعمليات. فقد نسبت وكالة «رويترز» لمسؤول كبير في وزارة الدفاع الروسية في تقرير بثته يوم 3 أكتوبر الجاري أنه «تم تنفيذ 20 طلعة جوية خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، وقصفت تسعة أهداف لتنظيم داعش». ولم يصدر أي نفي لهذا التصريح الذي قد يكون ما ورد فيه صحيحاً بالنسبة ليوم واحد من العمليات. لكن تحليل المعلومات الصادرة عن مصادر مختلفة، سورية وعربية وأجنبية، والمقارنة بينها وإجراء متوسطات لها، يفيد أن نسبة استهداف «داعش» لا تتجاوز 40٪ في الحد الأقصى.

كما أن أغلب المواقع التي يوجد فيها مقاتلون تابعون لـ«داعش»، واستهدفتها الضربات الجوية الروسية، تعتبر قريبة من المناطق التي لا يزال نظام الأسد يسيطر عليها. أما معظم المناطق التي استُهدفت فهي خالية من «داعش»، ومنها مثلا ريف حلب الشمالي، وريف حمص، وريف إدلب الجنوبي، وسهل الغاب غرب حماة.

أما مناطق تمركز «داعش» الأساسية في شمال شرق سوريا، والتي تمثل مع امتدادها في الأراضي العراقية قاعدة للتنظيم، فلم تتعرض إلا لقليل من الضربات التي استهدفت محافظة الرقة بالأساس. وهذا مؤشر أول على أن الحرب الجوية الروسية لا تهدف لتوجيه ضربة قاصمة ضد «داعش»، ناهيك عن السعي إلى القضاء عليه. فغاية ما يمكن أن تؤدي إليه ضربات من هذا النوع هو منع أي تهديد للمناطق التي يريد الأسد الاحتفاظ بها ويسميها «سوريا المفيدة»، والسعي إلى توسيع نطاقها.

أما الهدف الأساسي كما يبدو حتى الآن فهو السعي إلى إخراج قوى المعارضة المعتدلة من المعركة، أو شل حركتها، ليبقى في النهاية طرفان فقط هما نظام الأسد وتنظيم «داعش».

ويعني ذلك وضع المجتمع الدولي أمام خيارين «أحلاهما» كارثي. فبعد أن فقد نظام الأسد أي أساس أخلاقي، أصبح من مصلحته حصر معركته ضد تنظيم يتفوق عليه في ذلك. وكانت هذه هي خطة الأسد منذ البداية عندما عمل على إغراق الانتفاضة السلمية في الإرهاب.

ويبدو أن موسكو تريد إكمال هذه الخطة عبر محاولة إخراج قوى المعارضة- التي تمثل بديلاً مقبولاً على المستوى الدولي- من المعادلة لكي يتغاضى العالم عن سجل الأسد الدموي حين يصبح الخيار محصوراً بينه وبين تنظيم أكثر دموية.
&