عبد الرحمن الراشد

نبش «الجيش العربي السوري» من قبره، وعادت البيانات الروسية والسورية تتحدث عن هذا الجيش يزحف ويقاتل ضد المعارضة في سوريا. في الواقع على الأرض، المقصود بالجيش السوري هنا، كوكتيل من القوى الأجنبية التي تقوم بمعظم القتال نيابة عن النظام. وهي، في أكثرها، من مقاتلي حزب الله اللبناني، و«عصائب الحق» العراقية، و«فيلق القدس» الإيراني، وميليشيات «الفاطميّون» الشيعية الأفغانية، وغيرهم ممن تم تجنيدهم وتدريبهم لخدمة مشاريع نظام طهران العسكرية، للقتال في سوريا، وبؤر التوتر الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.


هذا هو ما يسمى اليوم الجيش العربي السوري النظامي، الذي يرد اسمه حديثا في البيانات الرسمية السورية، ويورده الروس في إعلانهم بأنهم يشنون حربهم الجوية والصاروخية لمساندة الجيش السوري المزعوم. وعندما تهكم ذات مرة وزير الخارجية الروسي قائلاً، أعطونا عنوان الجيش الحر حتى نراسله، وذلك من قبيل التشكيك في وجوده، وأن كل من يحارب الأسد إرهابيون، وأن كل المعارضة السورية «داعش» «وقاعدة»، وقبل يومين قال سفيرهم في الرياض إن المعارضة السورية هلامية. ونحن - وبثقة - نسألهم أن يدلونا على هذا الجيش العربي السوري النظامي الذي يساندونه على الأرض. فمنذ أكثر من عام ونصف العام، والخبراء العسكريون يؤكدون على أنه لم يبق منه أثر، أولا بسبب عمليات الانشقاق الكبيرة في صفوفه منذ بداية الانتفاضة، وقتل عدد كبير منهم في الحرب، ومعظم من تبقى منهم في سلك العسكرية فقد تم تهميشه، لأن غالبية الجنود فيه من الطائفة السنية، حيث يشك في ولائهم للنظام، ولا يمنحون إلا كميات قليلة من الوقود والذخيرة خشية الهرب بها إلى المعسكر الآخر. وقد اضطر النظام السوري لسد الفراغ باستحداث قوات الدفاع الشعبي، على الطريقة العراقية، ولم ينجح، لأن أكثريتهم غير مدربين، وهم من أبناء الأقليات من صغار الشباب، بمن فيهم العلويون، أي طائفة الرئيس. وحتى فضل أكثرهم التهرب من العسكرية، وسجلت أرقام كبيرة منهم انضمت إلى قوافل اللاجئين إلى الخارج. الجيش العربي السوري، أو جيش الأسد، في معظمه اليوم قوات قام بتجميعها وإدارتها قاسم سليماني، القائد الإيراني، الذي تحدث عن وجود مائة ألف مقاتل جلبوا إلى سوريا للدفاع عن نظام الأسد.


أما الجيش السوري الحر المعارض، فصحيح أنه اسم واسع، يضم تحته فرقا وفصائل مختلفة، معظمها معتدلة ووطنية، وبعضها ديني متطرف بالفعل، لكن ليس بينه مقاتلون أجانب مثل «داعش» و«جبهة النصرة». وهو في الأصل ولد ضمن مشروع المعارضة السورية، الذي مظلته مجلس الائتلاف السياسي، ويضم مكونات سوريا كلها دينيا وعرقيا، وتولى رئاسته الدورية وبالانتخاب، سنة وأكراد ومسيحيون، وبين قياداته علويون ودروز وتركمان، وغيرهم. أما الأسد، الذي يدافع عنه الروس والإيرانيون، فلم يعد يمثل حتى طائفته العلوية الصغيرة، التي تسبب في أكبر مذبحة لأبنائها، عندما أجبرها على خوض معارك خلال حرب السنوات الأربع المروعة، الحالية.


في دمشق توجد شرطة سير سورية، لكن لم يعد في البلاد شيء حقيقي اسمه «جيش سوري» نظامي كما يردد الروس. حتى حلفاؤهم الإيرانيون يتحاشون ذكر اسم الجيش السوري، لأنهم يعتبرون أنفسهم القوات المسلحة لسوريا. وعلينا أن نفهم ماذا يعني المتصارعون في سوريا من الحكومات المختلفة، الخليجية والتركية والروسية والأميركية والأوروبية، عندما يتحدثون عن دور مستقبلي للجيش والأمن، يقصدون به مفاهيم رمزية للمؤسسات الرسمية للدولة. إنما الجيش، الذي كان نحو ربع مليون جندي، ففي الواقع لم يبقَ منه سوى بضعة آلاف من الجنود، ومئات من كبار الضباط والجنرالات. وليس الجيش وحده من تبخر. أيضا خلال حرب الأربع سنوات، دمرت بنية القوى الأمنية ومعظم أجهزة المخابرات المتعددة، التي كانت توصف بأنها من الأقوى والأشرس في العالم. وبالتالي على الروس والإيرانيين ألا يحاولوا رسم صورة وهمية حول ما يحدث في سوريا، حيث لم تعد سوريا سرا مغلقا، وذلك نتيجة تعدد القوى المقاتلة. في سوريا اليوم، لا توجد دولة، ولا نظام، ولا رئيس شرعي، ولا جيش أو أجهزة أمنية. وفوق هذا، ندرك أن الإيرانيين، وليس الروس، هم الكاسب الأكبر من دخول الروس الذين توجه قواتهم معظم رصاصها ضد المعارضة السورية، وليس ضد الإرهابيين مثل «داعش».

الروس بذلك يحاولون خلق توازن بالقضاء على المعارضة الوطنية السورية المسلحة، فيضطر العالم، بما في ذلك الأتراك والخليجيون، لدعم ما يسمى النظام في دمشق لمحاربة المقاتلين الأجانب في «داعش» وشقيقاتها الإرهابية. هذه النتيجة ستخدم إيران أخيرا، التي ستكون قد استولت على العراق وسوريا ولبنان، وستتمتع بنفوذ خطير على منطقة الخليج.
&