أيمـن الـحـمـاد

لم تُفق بعد باريس من هول الصدمة التي فوجئت بها ليل الجمعة الماضية عندما قضى 129 شخصاً غالبيتهم فرنسيون على يدي مجموعات إرهابية في أماكن عامة، وهو أمر شعرت معه الدولة الفرنسية بحرج كبير، إذ إن الاعتداء جاء ليلقي بظلاله على جملة من الثغرات الأمنية بدأت تتكشف مع استمرار عمليات الدهم الواسعة التي تنفذها الشرطة الفرنسية على أكثر من موقع، وأدت إلى عملية انتحارية لسيدة في سان دوني، وقُبض على آخرين متورطين في الداخل والجوار الفرنسي.

في خضم هذه الأحداث الإرهابية والتيقُّن من أن "داعش" تقف خلف هذه الاعتداءات يُخشى أن ينعكس ذلك اختلاطاً وتشويشاً في التعاطي مع هذا الحادث الإرهابي، فداعش التي استهدفت الأبرياء في سورية قبل باريس والعواصم العربية الأخرى، إنما خرجت لعالمنا من رحم نظام الأسد الذي استفاد منها، إما في محاربة خصومه من المعارضة السورية المعتدلة التي تحارب دفاعاً عن حق الشعب في الحياة والأمن أو التلويح بإرهاب "داعش" وتسويق النظام السوري نفسه من خلال هذا الأمر بأنه القادر على كفاية الأوروبيين والعالم شر هذا "التنظيم"، وأن تكاتف المجتمع الدولي معه هو أقصر الطرق وأسرعها من أجل القضاء على "داعش".

وفي واقع الأمر فإن رحيل الأسد هو بداية النهاية لتنظيم "داعش"، إذ إن النظام السوري الذي لم يتورع عن القيام بكل شيء في سبيل إبادة الشعب لأجل أن يبقى؛ لن يجد غضاضة في أن يذهب لصناعة هذا التنظيم الإرهابي الذي يتفق مع النظام السوري في عداوة المعارضة السورية، فالأسد يصف القوات المعارضة المعتدلة بالإرهابيين بينما تصفهم "داعش" بالمرتدين، إذاً فالتفسير الإجرائي للإرهاب الذي يطالب الأسد دول العالم بمحاربته؛ هم قوات المعارضة المعتدلة وليست "داعش".

إن مسألة استمرار وجود النظام السوري في دمشق يزيد من تعرض الأمن الدولي للخطر، فبقاؤه مغناطيس يجذب من خلاله المتطرفين من كل أنحاء العالم الذين يخضعون لعمليات تدريب وتوجيه ديني متطرف ثم يعادون إلى ديارهم لتلبية احتياجات النظام السوري وحلفائه، وحتى روسيا حليف الأسد ترى اليوم أن تضخم الإرهاب التكفيري قد ينعكس سلباً على أمنها، لذا سارعت بتعديل مسارها السياسي والعسكري، وبدأت في التفكير عملياً في إنهاء الأزمة السورية، لتفادي تبعات ذلك على أمنها، وذلك من خلال جملة أمور منها: أن "الدواعش" من الروس من الذين التحقوا بالتنظيم في سورية، لن يعودوا إلى روسيا على حد قول الرئيس بوتين، ومن جهة أخرى قامت من خلال عملياتها الجوية بدك مواقع للمعارضة السورية المعتدلة من باب تأهيل النظام السوري وإعادة تعويمه وجعله قادراً على التفاوض بعد أن كاد يسقط، وأخيراً وُضع الأسد في موقف يستحقه عندما تم جلبه وحيداً إلى موسكو خلسة، ليقول سيد الكرملين إنه القادر على تحريك رأس النظام متى شاء.
&