عبدالله بن بجاد العتيبي

في غضون أقل من أسبوعين ضرب الإرهاب بعملياته الإجرامية في مصر ولبنان والعراق وفرنسا والمملكة العربية السعودية، وها هو يضرب مجددًا في مالي مستهدفًا فندقًا يتوافد عليه السياح الغربيون وغيرهم، وهذا الإرهاب هو إرهاب ينتمي بمجموعه للمسلمين كأمةٍ وكحضارةٍ وكشعوب، ويتوازى فيه الإرهاب المذهبي سنيًا وشيعيًا.


فضربت «داعش» في مصر ولبنان والعراق وفرنسا واليمن، ومن قبل في السعودية والكويت التي أعلنت قبل أيام عن القبض على خليةٍ إرهابية تابعةٍ لتنظيم داعش، وسبقها استهداف خلايا إيرانية شيعية لأمن الكويت في عمليةٍ أمنيةٍ استباقيةٍ كبرى، كما أعلن في السعودية قبل يومين عن القبض على مجموعة من المضبوطات تعود لخلية تابعةٍ لإيران في محافظة القطيف السعودية.


وبحسب هذه الصحيفة يوم الجمعة الماضي، فقد أوضح اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية، أن الأجهزة الأمنية عثرت على تجهيزات عسكرية، ووثائق مزورة، وعملات، بينها عملات نقدية إيرانية، وكميات كبيرة من الذخيرة الحية، في مداهمة أمنية لبلدة القديح.


نحن أمام حالةٍ من الإرهاب المنفلت والمتوحش والمنتمي للإسلام بشقيه السني والشيعي، وقد وصلت نيران هذا الإرهاب للكثير من دول العالم، والحادثة الإرهابية في باريس تمثل مرحلةً جديدةً لحركات الإرهاب بالنسبة للدول الأوروبية على الأقل، ومن الطبيعي لهذه الدول أن تغير من دساتيرها وقوانينها لمواجهة هذه الموجة الهمجية من الإرهابيين المتوحشين، وأن تطوّر من تنظيماتها الإدارية وإجراءاتها الأمنية بما يضمن لها حفظ دولها وأمن شعوبها.


ولكن غير الطبيعي هو أن تسعى بعض الرموز في هذه الدول وبعض المؤسسات الأهلية، من حقوقية وغيرها، وبعض الوسائل الإعلامية، للتهجم على الدول العربية أو على السعودية، ويلقي بعض مسؤوليها أو القائمين عليها التهم جزافًا دون وعي وإدراك لعمق مشكلة الإرهاب وتشعبها وتوزع المسؤولية حولها، وأقرب مثالٍ هو التخاذل الأميركي عن حربٍ جديةٍ ضد تنظيم داعش وترك الأزمة السورية من دون حلٍ سياسي ينقذها وينقذ المنطقة من الهلاك.


من الجدير بالملاحظة أن هذه الوسائل أو المؤسسات تتناول شؤون المنطقة بنظرةٍ فيها شيء من الكبر المخلوط بشيء من الجهل والادعاء، بمعنى خلط السياقات الحضارية والتاريخية ومحاولة القفز عليها لنموذجٍ موحدٍ تروّج له أنه المنتج النهائي والصالح لكل الأمم وكل الأزمنة، وهو النموذج الحضاري الغربي في لحظته الراهنة.


لا شك أن الغرب في تاريخه الحديث توصل لنموذجٍ حضاري بناه بعد صراعاتٍ طويلةٍ امتدت لثلاثة قرونٍ من النهضة والتنوير والتطوير وصولاً لنموذجها المعاصر، ولكن هؤلاء الغربيين لم يشارك أي منهم في التضحيات الجسام التي قدمتها شعوبهم وأممهم وصولاً لهذه اللحظة التاريخية، ولكنهم وجدوا نموذجًا مستقرًا واستمروا عليه، ومن هنا فليس من حقهم أن يطالبوا الأمم الأخرى أن تسلك نفس الطريق وتتبنى نفس النموذج في سياقٍ تاريخي وحضاري مختلفٍ على الكثير من المستويات.


فليس صحيحًا أن تطالب دولاً وشعوبًا وأممًا أن تنتقل في لحظةٍ لحظتها التاريخية وسياقها الحضاري ومحاولاتها المتجددة في التماس الحلول وبناء المنظومات الفكرية والدينية والتنموية والعدلية والسياسية وفق النموذج الأنجح الذي ترتئيه لتستورد بين عشيةٍ وضحاها منظوماتٍ بنيت في حضارةٍ مختلفةٍ وسياق تاريخي مباين.


ولا يكمن الحلّ في التخندق خلف حالة إنكارٍ لا عقلانية بل في الوعي العميق باللحظة التاريخية وشروطها، والرؤية الحاضرة والمستقبلية للتنمية والتطوير في كل المجالات ووفق المعطيات المتاحة والإمكانيات المتوفرة، ووفق نوعٍ من التوازن المطلوب بين الدولة والشعب وبين الحكومة والمجتمع، ولكل دولةٍ شروطها الخاصة وتصورها المختلف.


وهذه الحملات الإعلامية والحقوقية مع كل توابعها ضد بلدٍ بحجم السعودية هي حملات مغرضةٌ بعضها منظمٌ وبعضها ينبثق تبعًا لبعض الحوادث وهو ما يوجب التنبيه عمليًا إلى مواقف السعودية المعلنة وسياساتها المتبعة، ولا يستطيع المتابع أن ينكر جهود السعودية الجبارة في الحرب على الإرهاب داخليًا ودوليًا، ويمكن لأي باحثٍ أن يفتش عن أي عملٍ إرهابي حول العالم ليجد السعودية من أوائل الدول التي تستنكره وتشجبه.
مواجهة هذه الحملات لها عدة أبعادٍ؛ أولاً، إعلاميا، والطرق الإعلامية والاستراتيجية لمواجهتها معروفةٌ وغير خافيةٍ وهي تحتاج للتخطيط والدعم والتنفيذ حتى تصل لمبتغاها، وثانيًا، لدى السعودية كما لدى غيرها من دول العالم تحدياتٌ صعبةٌ وإصلاحاتٌ مهمةٌ وتطويراتٌ ملحةٌ، وهذه تحتاج إلى الشفافية مع الذات ووضع إصبع الدواء على جرح المرض، والاعتراف بأي خطأ هو أول خطوات المعالجة والعلاج.


السعودية دولةٌ محوريةٌ في المنطقة ومهمةٌ في العالم، وهي لم تزل حاضرةً بمكانتها الكبيرة ورؤاها المعتدلة.. ولكن تلك المكانة وذلك الاعتدال قد اتخذ دورًا أكثر حضورًا وفعالية مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ملك الحزم، بحيث صارت سياسات السعودية أكثر قوةً وأبلغ أثرًا وعلاقاتها أكثر متانةً وتشعبًا، وهو ما أدهش الحلفاء وأغاظ الخصوم وحرك الأعداء، وليس أمام السعودية خيارٌ سوى الاستمرار في نجاحاتها وإنجازاتها وتعزيز دورها ومكانتها على كل المستويات، ومن الطبيعي أن يثير ذلك خصومها وأعداءها.


يمكن بسهولةٍ متابعة بعض القنوات الغربية الناطقة بالعربية والتي تدعمها دولها، أي أن حكوماتها هي التي تدفع ميزانياتها، لنكتشف بسهولةٍ أن بعضها مسيطرٌ عليه من فئاتٍ عربيةٍ معاديةٍ للسعودية وينتمي بعضها لبقايا التيارات اليسارية والقومية مع بعض المنتمين لجماعات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان المسلمين، وما ينطبق على القنوات ينطبق على المواقع الإلكترونية التابعة لها أو الشبيهة بها، والوسائل الإعلامية الغربية سبقت الإشارة لها.


من أراد معرفة دور السعودية الحقيقي في محاربة الإرهاب فليس عليه أن يذهب لحقوقي يساري أو صحافي معادٍ، بل الطبيعي أن يتجه للمسؤولين السياسيين والأمنيين ليعرف حجم الدور السعودي حول العالم، لقد قالها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بصراحةٍ وأن السعودية ساعدت في إنقاذ الكثير من المدنيين البريطانيين، وغيره فعل الأمر نفسه، والسعودية أشارت لشيء من ذلك من قبل، وآخرها ما تمّ قبل أيام تجاه أحد المنتمين لتنظيم داعش.


أخيرًا، ففي حين يدافع البعض عن تنظيم القاعدة في سوريا المعروف بجبهة النصرة، نجد تنظيم المرابطين التابع لـ«القاعدة» يحتجز الرهائن ويقتل في مالي، ونجد السعودية تعلن عن قرب تنفيذ الأحكام القضائية للعشرات من عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي.
&