عادل درويش

في مأدبة الغداء الشهرية للمجموعة الصحافية البرلمانية في وستمنستر، كان ضيفنا وزير الدولة لشؤون الأعمال والابتكارات والمهارات. كان المتوقع مناقشة علاقة نشاط وزارته بالاتحاد الأوروبي سلبًا وإيجابًا؛ لكن هجمات باريس أخذت معظم الوقت. الوزير مسلم غرق في مناقشة أمر خارج مجال حقيبته الوزارية. بدلا من حديثه كوزير بل كبريطاني حاول تلافي مزيد من أضرار كارثة من فعل مسلمين نزلت ببقية المسلمين.


مرشح حزب العمال المسلم لمنصب عمدة لندن، وكان وزيرا سابقا في حكومة توني بلير العمالية، في لقائه هذا الأسبوع مع الصحافيين، لم يركز على برنامجه للمواصلات والإسكان والمدارس بقدر تركيزه على أحداث باريس ودعوته لمسلمي بريطانيا لبذل الجهد للقضاء على ظاهرة تجنيد الشباب للإرهاب.


مسلمون اُنتخبوا لتولي مناصب رفيعة في الدولة يغرقون جهودهم في تحليل الظاهرة والدفاع عن الإسلام بدلا من أداء الواجبات والمهام التي كلفهم الناخب بها. الناخب لم يأخذ دينهم في اعتباره بل قدراتهم المهنية والسياسية عندما وضع العلامة أمام أسمائهم في مراكز الاقتراع.


بصراحة قد تؤلم البعض، أكرر عبارة الزميل والصديق عبد الرحمن الراشد التي أعلنها صراحة قبل عشر سنوات ونقلتها وكالات الأنباء العالمية: «ليس كل المسلمين عنيفين أو إرهابيين، لكن للأسف كل الإرهابيين مسلمون».


جهود معظم المؤسسات الدينية (كالأزهر) والشخصيات الإسلامية حول العالم تبدو عبثية وتضيع أدراج الرياح. يطلقون التصريحات بوجوب التفريق بين «الإسلام» Islam كديانة، وآيديولوجيا العنف للإخوان المسلمين التي ابتكرها سيد قطب Islamism.


الناس في الغرب يا سادة (أولاً أقول المثقفين) قوم عقلانيون علمانيون أدلتهم الأفعال لا الأقوال.


نموذج من الأفعال في حي بريك لين، حول مسجد شرق لندن، ظهرت عصابة شباب «بوليس تطبيق الشريعة» اعتدوا على بريطانيات بتهمة عدم الحشمة، ضربوا من يحمل حقائب مشتريات تحتوي مشروبات كحولية. وحاول المسؤولون ردهم بالحسنى (حفاظا على السلام الاجتماعي) حتى اشتكى السكان المسلمون منهم فقبض عليهم بتهم التعدي، وحسب الأدلة وضعهم القضاء وراء القضبان.
في الغرب هوة بين الرأي العام وتصريحات الساسة لمجاملة المسلمين والدول الإسلامية.


رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند (كما تنطق بينما تكتب هولاند) تصريحاتهما لا تعكس الواقع في أذهان غالبية ناخبيهما.
ملخص تصريحاتهما أن الإسلام دين سلام وتسامح ومحبة، محسوبة من أجل السلام الاجتماعي، لكن استمع إلى دردشة بين الناس أو في حفلة عشاء (ظاهرة اجتماعية للطبقات الوسطى دعوة الأصدقاء ما بين أربعة إلى عشرة أشخاص) أو حديث بين جارتين... إلخ. تجد أن النظرة للإسلام عكس ما يصرح به المسؤولون.


ابنتي أعلنت في موقع مشاركة المساكن عن شقة سكن بالمشاركة (flatmates)، كتبت شروطها: جامعيان - عاملان - أن يحترما مشاعر الغير والجيران والمحافظة على نظافة وترتيب المكان، للمشاركة في منزل كبير من ست غرف لا تريد أن تقيم فيه وحدها. أول من أمس قالت ابنتي بدهشة: ثلاثة من كل خمسة طلبات يذيلون بريدهم الإلكتروني بعبارة: «أطمئنك بأني لست مسلما / مسلمة».


زميل بريطاني مسلم يحرر مجلة أسبوعية «المسلمون» قال: «الظاهرة أصبحت عادية»، فلم تعد خبرًا يتابعه. أصحاب العقارات ووكالات التأجير لا يؤجرون لمسلمين بوضع العقبات في سبيلهم ولا يحددون السبب كتابيًا حتى لا يخرقوا القانون. النتيجة أنه بدلاً من اختلاط الشباب بين ثقافات متعددة، تجد المسلمين باطراد يشاركون مسلمين مثلهم في المسكن، في مناطق المتاجر والمقاهي فيها يديرها مسلمون، مما يكوّن مناطق إسلامية خالصة أي «غيتو» إسلامي جغرافي، وبالتالي ثقافة انعزالية عن بقية المجتمع.


باختصار مهما صرخ الأزهر والمؤسسات الإسلامية والساسة وكبار الشخصيات الإسلامية بأعلى صوتهم بأن الإرهابيين الذين قتلوا أكثر من 130 شخصًا في باريس ونحو ثلاثين في باماكو عاصمة مالي و224 في الطائرة الروسية وعشرين شخصًا في سوق في نيجيريا (وضعت «بوكو حرام» متفجرات في سلة طفلة عمرها 11 سنة وأرسلتها إلى سوق مزدحمة وفجرتها بريموت كنترول) لا يمثلون الإسلام دين التسامح والمحبة، فإن ما يراه الموطن البريطاني أو الفرنسي أو البلجيكي أو الروسي أو النيجيري أو الصومالي هو عكس ما يقوله الأزهر وعلماء المسلمين.


البعض يبرر بسذاجة أن المسلمين مهمشون في المجتمع ويشعرون بالاضطهاد (أين هم من الأقليات الأخرى؟ حتى وقت قريب كانت الفنادق تكتب: ممنوع دخول الكلاب والسود؛ ألم يكن الأفارقة ومهاجرو الهند الغربية والفلبين يعملون في وظائف حقيرة ومضطهدين؟ لماذا لم يمارسوا الإرهاب)؟
بيانات دولة خلافة مسيلمة البغدادي الداعشية تنتقي آيات من القرآن وتقول إنهم ينفذون مشيئة الله وينشرون رسالة رسوله؛ المواطن في بلدان أوروبا وفي روسيا وأميركا يرى الأفعال على الأرض ولا يصدق أقوال المؤسسات الإسلامية والشخصيات الإسلامية؛ وهل نلومه على ذلك؟
صلوات الكنائس هنا في بريطانيا وبقية أنحاء أوروبا بعد كل عمل إرهابي تدعو لأرواح الموتى وشفاء الجرحى (على اختلاف دينهم) وتدعو بالهداية للإرهابيين أنفسهم؛ أين أئمة المساجد من الأعمال الإرهابية التي ارتكبها مسلمون؟
بعضهم أدان العمليات في تصريحات للصحافة (مكررا عبارة «الإسلام دين محبة، والإرهابيون لا يمثلون الإسلام»).. لم أسمع بإمام دعا من على منبر الجمعة جميع مسلمي البلدة إلى مسيرة حاشدة تندد بالإرهاب بالحماس نفسه الذي دعا إليه مئات من أئمة المساجد حول العالم للخروج في مظاهرات نددت برسومات كارتونية في مجلة لم يسمعوا بها من قبل في بلدة دنماركية لا يعرفون مكانها على الخريطة؛ وفي حادثتين أحرقوا قنصلية وسفارة السويد لخلطهم جهلا بين علمي البلدين (وليدلني أحد على مظاهرة خرجت عقب صلاة الجمعة تندد بالإرهاب وتؤكد الانتماء للوطن الذي هاجروا إليه اختياريًا كفرنسا أو بريطانيا).


منذ نشر رواية «الآيات الشيطانية» عام 1988 عقدت عشرات الندوات والمحاضرات المفتوحة لمناقشة كتب وأعمال فنية أغضبت المسلمين (أغلبهم لم يرَ هذه الأعمال)، سياق الندوات كان سلبيًا يتهم المبدعين بـ«الإسلاموفوبيا» واستفزاز المسلمين فأعطت الرأي العام انطباعًا خاطئًا بأن المزاج الإسلامي «ثقيل الدم» يفضل الغم على الدعابة ويرفض الفنون والإبداع.


اليوم؟ لا دعوات لمحاضرات/ ندوات مفتوحة تقيمها المؤسسات الإسلامية في أوروبا وأميركا وروسيا، أو حتى في جامعة الأزهر تنقلها كاميرات التلفزيون ويديرها ويناقشها أساتذة وبروفسورات مسلمون من الأزهر وجامعات مثل أكسفورد وإكستر (بروفسورات وباحثون من الأخيرتين دائما في «بي بي سي» يبررون الإرهاب بالسياسات الخارجية لبريطانيا وفرنسا) يناقشون ما إذا كانت «داعش» وأخواتها وضعوا الآيات القرآنية التي برروا بها سفك الدماء خارج سياقها الثيولوجي والتاريخي.


وأرفع الأمر للأزهر ومؤسسات الثيولوجيا الإسلامية حول العالم.
&