سمير السعداوي

في وقت يعيش الاوروبيون في ذروة القلق، لئلا نقول في حال هلع، بعد اعتداءات باريس في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، لا تتوافر بوادر الى عمل حاسم يضع حداً للتهديد الذي يشكله تنظيم «داعش»، باستثناء خطوات لتعزيز التنسيق بين أجهزة الاستخبارات الغربية، وتحركات لضرب التنظيم الإرهابي في معاقله في سورية، فرضت عودة التنسيق مع روسيا التي دخلت على الخط لشن ضربات جوية وصاروخية مؤلمة في مناطق عدة تعتبرها ملاذات للمسلحين المتشددين.

&

واذا كانت تصريحات وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان لاذاعة «اوروبا 1» نهاية الاسبوع الماضي، أظهرت اهتماماً متساوياً لدى باريس بما يجري في سورية وليبيا، باعتبار ان انتشار «داعش» في الدولتين يوفر للتنظيم الارهابي ملاذاً ومنطلقاً لمواصلة تهديداته، فإن كلام لودريان حمل اعترافاً ضمنياً بالعجز عن القضاء على تلك التهديدات في وقت قريب، اذ لم يقدم حلولاً عملية في ليبيا سوى الاعتماد على قوة طرفي النزاع الليبي «اذا اتحدا» لمحاربة «داعش» في بلدهما والقضاء عليه. وهو اعتماد على افتراض، لا يمكن الركون الى انه في متناول اليد، لذا يبقى كلام الوزير الفرنسي من باب التمني.

&

ولا شك انه مما زاد الطين بلة بالنسبة الى باريس، هو مبادرة الفرع المغاربي في تنظيم «القاعدة» الى شن اعتداء بالتعاون مع تنظيم «المرابطون» بقيادة الارهابي الجزائري مختار بلمختار على فندق يرتاده الأجانب في باماكو عاصمة مالي الأسبوع الماضي، ما يوحي بأن الفرنسيين قد يضطرون الى خوض حرب على جبهتين، ضد «داعش» و «القاعدة»، وهو أمر كفيل بتشتيت قدرات التحالف الذي تطمح اليه فرنسا مع دول الغرب لمحاربة الإرهاب.

&

بدوره، اراد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن «يكحلها فعماها»، ففي تصريحات له مطلع الاسبوع الحالي، أبدى ثقته بهزيمة الإرهابيين، قائلاً انه «لا يمكن تصور ألا تتمكن جبهة تضم فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وروسيا وتركيا ودولاً أخرى، من القضاء عليهم». لكنه في الوقت ذاته أشار الى ان «جهاديي تنظيم داعش»، «وحوش لكن عددهم لا يزيد على ثلاثين الفاً»! وكأنه يستخف بهذا الرقم الكفيل بحد ذاته بتظهير حجم المشكلة.

&

وأسوة بزميله وزير الدفاع، رأى فابيوس ان الحل يكمن في تسوية سياسية تنهي الحرب في سورية، وقال إنه في موازاة الحملة التي تقودها الدول التي ذكرها «يجب ايضاً إيجاد حل سياسي لهذه الحرب التي أسفرت عن 300 الف قتيل وملايين اللاجئين والتي لها تبعات على المنطقة بأسرها وكذلك ايضاً، كما نرى، على العالم بأسره».

&

وبذلك يمكن لمعظم المراقبين ان يستخلصوا ما كانوا يعرفونه في البداية وهو ان أي مجهود حربي للقضاء على «داعش» لا يكفي ما لم يقترن بتسويات. لكن ثمة امراً آخر يتعين الإضاءة عليه وهو اين سيذهب الثلاثون الف مسلح الذين اشار اليهم وزير الخارجية الفرنسي؟

&

والجهود المبذولة لإغلاق الحدود التركية، وتشديد الإجراءات الأمنية على حدود دول الغرب لمنع اختراقها، لا تؤدي الى «تبخر» تلك الآلاف من متطوعي «داعش»، بل ستؤدي في أحسن الأحوال الى محاصرتهم حيث هم، بانتظار تآلف قوى محلية لمحاربتهم ... و»ابشر بطول سلامة يا مربع»!

&

ثلاثون الفاً يشكلون جيشاً، وملاحقتهم وتجريدهم من سلاحهم أمر يتطلب نشر قوات على الأرض وهي خطوة يعترف الغرب بضرورتها، لكنه على الأرجح لن يقدم عليها.
&