غسان الإمام

ينطوي مشروع التسوية الإيرانية/ الروسية للأزمة السورية، على تحدٍ كبير لذكاء المفاوض العربي. فقد تحولت ليالي الأنس في فيينا، إلى حفلة تنكرية يظهر فيها الدبلوماسيان الإيراني جواد ظريف والروسي سيرغي لافروف، وهما يسوّقان إلى الحاضرين دمية متنكرة على شكل بشار. ويؤكدان أنها ما زالت على قيد الحياة، وقادرة على تأدية رقصة السلام والوفاق مع ملايين السوريين الذين قتلت منهم إلى الآن 300 ألف إنسان بصواريخها وبراميلها المتفجرة.


ويتصنّع التوأمان روحاني وخامنئي الجدية والبراءة، وهما يقولان للسوريين إن الأسد باقٍ في المرحلة الانتقالية. وإنه مستعد لترشيح نفسه في السباقات الانتخابية المقبلة. والدليل على شعبية الأسد الكاسحة فرار مليون ناخب منه، ومن «داعش»، إلى أوروبا. ولجوء أربعة ملايين ناخب آخر إلى «صناديق» الدول المجاورة.


كسوري، أقول إن تمرير تسوية عبر الخداع الإعلامي للمفاوضين العرب والدوليين المعنيين بالأزمة. وإضفاء الشرعية الدولية عليها، بانتزاع قرارات من مجلس الأمن، غير قابلة للتنفيذ والتطبيق على أرض الواقع التقسيمي الحالي في سوريا، كل ذلك من شأنه إطالة أمد المأساة والمعاناة. ورفض ملايين السوريين لتسوية تطمس دور سوريا التاريخي، في التأكيد على عروبتها. وتلاحمها مع أشقائها في الخليج. والمشرق. ومصر. والمغرب العربي الكبير.


منتهى الاستخفاف بالعقل الدبلوماسي التفاوضي العربي والدولي، إعادة إنتاج بشار كمحقق لحل توافقي. وتقديمه إلى العالم كصانع للسلام الشبيه بالسلام الروسي الذي يفرضه الجلاد قاديروف عميل بوتين في شيشنيا. ثم مفاجأة العرب والعالم بأن بشار الذي حقق السلام صالح للاستمرار كرئيس سبع سنوات عجاف أخرى. يليه فيها نجله حافظ الأسد الثاني، بعد أن يتم تخريجه من روضة الأطفال، برتبة حكيم عيون «يفهم» كالمطرب محمد عبد الوهاب في البصر والبصيرة.


كان المفروض بالمعارضات السياسية السورية التي تمارس السياحة في فنادق إسطنبول والقاهرة، بعد ممارستها في فنادق باريس. ولندن. وموسكو، أن تعكف على دراسة تاريخ سوريا الحديث الذي تجهله، نتيجة لنشأتها في كنف نظام مزور للتاريخ. ثم تعاود التأكيد على حاجة سوريا إلى عروبة ديمقراطية.


استحال على أوروبا وأميركا فهم التاريخ العربي الحديث. فلم تجد بين العرب باحثين. ومؤرخين. ودارسين، يبددون سوء الفهم الغربي للمشروع القومي العربي. فتم تسليح إسرائيل نوويًا. وعسكريًا، بقوة متفوقة على العرب جميعًا، لإلحاق الهزيمة بهم. وتقويض المشروع النهضوي. فتلاه مشروع تسييس الإسلام الإخواني، وصولاً إلى استيلاء الإسلام الحربي «القاعدي» و«الداعشي» المضاد للتعايش السلمي الحضاري. والثقافي، بين العرب المسلمين وأوروبا.


الغالبية السنية العربية لم تقدم دولها الاستقلالية كدول طائفية، باستثناء نظامين اثنين: النظام الطائفي الأقلوي الحاكم في سوريا، مدعومًا بقوة التدخل الإيرانية ومرتزقتها الميدانية. ثم نظام «الخلافة الداعشية» المزعومة التي تشوه التاريخ الحضاري الناصع للسنة، بارتكاب المجازر الانتقامية من العرب والعالم أجمع. وهزيمتها المحتمة في العراق، وسوريا، لا يمكن اعتبارها هزيمة للسنة التي رفضت أصلاً هذه الطبعة «الداعشية» للدين المتخلفة ثقافيًا. وأخلاقيًا. وإنسانيًا.


ما البدائل للتسوية الإيرانية/ الروسية التي يجري تدويلها «وشرعنتها». وفرضها على العرب. والمنطقة. وأوروبا، بدعم أميركي متواطئ معها؟
لا شك في أن رفض هذه التسوية المخادعة، يحتم وجود بديل منطقي. وعملي. ومقبول عربيًا. وسوريًا. ودوليًا. وإنسانيًا. وهنا أتوجه مباشرة إلى دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وعاهلها الإنسان الغيور على دينه وعروبته، للنظر في مشروع لتدويل وتعريب الحل السوري، قبل أن تكسب التسوية الإيرانية/ الروسية «مشروعية» التفاوض. والتطبيق. والتنفيذ.


فرض وصاية دولية مؤقتة على سوريا، لإنقاذ شعبها وعروبتها من التشبيح. والتشييع. والتذبيح. والتقسيم. والدعوشة، هو الحل العملي المثالي الذي لا يمس كرامة العرب. ولا يسيء إلى كيان السوريين، كدولة موحدة ومستقلة. ولا ينال من قدر القيادات السياسية الخليجية المعنية بالأزمة السورية. ودورها المشرف في دعم كفاح السوريين، للخلاص من نظام فاقد للشرعية. ومن الاحتلال الروسي والإيراني. واستعادة السلام. وإقامة نظام بديل ذي وجه إنساني. وحضاري.


تعريب مشروع الوصاية الدولية على سوريا، يتم من خلال تقديم وتأهيل جيش مصر، كدولة ذات الكثافة السكانية العربية الأكبر، لدخول سوريا كجيش دولي محايد، لفرض وتطبيق السلام، وليس لحفظه فقط، بعدما ترددت وتأخرت تركيا في إقامة مناطق سكانية آمنة داخل سوريا، بسبب طبيعة تركيب سكانها، وأقلياتها العلوية والكردية التي تهدد نظام إردوغان بـ«خربطة» سلام واستقرار تركيا، إذا ما تدخلت ضد نظام بشار.
الجيش المصري كبير. وقوي. وجيد التدريب. والتسليح. والانضباط. وأثبت حياده السياسي منذ ثورة يوليو، وبعده عن التأثر بالتيارات الغيبية المتزمتة. ويمكن دعم الجيش المصري في مهمته الدولية، بجيش عربي آخر محايد سياسيًا. ولا يقل عنه غيرة على الإسلام والعروبة، كالجيش المغربي. وقد خبرتُه في زيارة للصحراء، حيث يحمي عروبتها وسلامها.


حياد القوات العربية في سوريا، يمكن ضمانه وتعزيزه بتشكيل قيادة عسكرية دولية وعربية. وتضم قادة. وخبراء. وضباطًا من دول محايدة ذات مصداقية عالية لم تتدخل في سوريا. كالهند. واليابان. والأرجنتين. والبرازيل. وكندا. ودول اسكندنافيا. وجنوب أفريقيا. بل يمكن إشراك قوات من أميركا اللاتينية مستعدة للتدخل وفرض السلام، إلى جانب القوات الدولية العربية.


هذه القيادة العسكرية الميدانية، بحيادها وحرفيتها، كافية لإقناع الدول الكبرى المتورطة بالتدخل العسكري في سوريا بالانسحاب. وتمرير قرار شرعية التدخل الدولي في مجلس الأمن الذي يتضمن السماح لها بمواصلة محاولة تقويض الدولة الداعشية من الجو، قبل أن تتمكن القوات العربية من الوصول إلى معاقلها. وإذا شاءت أميركا. وروسيا. وفرنسا، فهي تستطيع أن تضع جانبًا من سلاحها الجوي، في تصرف القيادة الدولية، لدعم القوات العربية التي ستكون مهمتها سهلة للغاية، لترحيب ملايين السوريين الرافضين للنظام بها. ولردع. وترحيل. وسحب الميليشيات والتنظيمات السورية. والإيرانية. والكردية.


أتكلم بصفة شخصية، كصحافي يظل كاتبًا عربيًا، من صحيفة عربية رصينة ذات مصداقية. وحدها المملكة العربية السعودية، في شخص مليكها وخبرائه ومستشاريه السياسيين والدبلوماسيين، قادرة على الحسم في فكرة المشروع. ومفاتحة القيادتين السياسيتين المصرية والمغربية به، إذا رآه المليك مجديًا.


الوقت ليس في صالح العرب. التدويل والتعريب يحولان دون اتجاه الدول الكبرى والإقليمية إلى تقسيم سوريا، لصعوبة فرض التسوية الروسية/ الإيرانية. والخطر كبير في أن تتمكن الميليشيات المسلحة المتصارعة من دخول المدن الكبرى، ليصبح إخراجها منها صعبًا إلى حد الاستحالة، تمامًا كما حدث في اليمن. والصومال. وليبيا. وقبل أن تستكمل أميركا بناء الأكراد كجيش غازٍ ومستوطن للمناطق العربية في سوريا والعراق، من دون أن تضمن سلفًا انسحابهم منها. تمامًا كما عجزت إلى الآن عن وقف استيطان إسرائيل للجولان. والضفة.
&