أيمـن الـحـمـاد

أدركت الدول المتقدمة مبكراً الدور الذي يمكن أن تؤديه المؤسسة العسكرية خارج نطاق مهامها الأساسية والكلاسيكية المتمثلة في الحفاظ على سيادة الدول وأمنها، لذا كانت بواكير ذلك الإدراك إيعاز هذه المؤسسة وإنشاءها أقساماً بحثية تخدم مصالحها ذات الصلة بطبيعة عملها الذي يتمثل أساساً في صيانة الأمن ودفع الهجمات العسكرية.

وبناء على تلك الاستحقاقات بدأت الجهات العسكرية بإنشاء حواضن الأبحاث العسكرية بالتعاون مع الجامعات إذ يتوفر لدى هذه المؤسسات التعليمية العقول المفكرة الدارسة لعلوم التكنولوجيا المتقدمة والمطلعة على الجديد في هذا الحقل، وبدأ الجانبان العسكري والأكاديمي العمل بشكل وثيق، حيث تم توظيف العلم التقني للأغراض العسكرية.

وقد كان للولايات المتحدة تجربة رائدة مكنتها من تحويل المشروعات البحثية التكنولوجية إلى مشروعات عامة وعلى رأسها «الإنترنت» الذي يعتبر في الأساس مشروعاً تابعاً لوزارة الدفاع الأميركية وغيرها من المشروعات التي يتم توظيفها في الحروب التي تخوضها الدول ضد بعضها وكذلك برامج الفضاء والتجسس وعمليات نوعية أقرب أن تكون خيالية.

ولم تكتفِ الدول المتقدمة بتوظيف البحوث من أجل اختراعات عسكرية للاستخدام الحصري للدولة المصنعة بل أصبحت مع مرور الوقت مشاريع ربحية تسهم بشكل أساسي في اقتصاديات تلك الدول، فالاقتصاد الأميركي والروسي قائم على الأسلحة التي تتسابق عليها الدول بسبب التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة، ولذلك كان من الضروري علينا أن نستفيد من ضرورة أن تبقى مسألة نقل التقنية أمراً أساسياً وضرورياً في تعاوننا العسكري مع أي دولة، والدليل على ذلك اعتماد تركيا التعاون مع الصين لشراء صواريخ استراتيجية بعيدة المدى بعد تعهد بكين نقل تكنولوجيا تلك الصواريخ لها، في حين لم تلجأ أنقرة لشراء الصواريخ من واشنطن بسبب صعوبة نقل التكنولوجيا.

إن اهتمام المؤسسة العسكرية بالبحوث التقنية أمرٌ ضروري وهذا يمتد أيضاً إلى البحوث النظرية والطبية والفضائية والسيبرانية مثل بحوث الرأي العام والأبحاث السيكولوجية والعصبية كلها بالإمكان الإفادة منها في خدمة الجانب العسكري والدفاعي ثم في مراحل متقدمة إدخالها في منظومة الاقتصاد الوطني.

إن لدى المملكة تاريخاً مؤسسياً طويلاً يمتد لحوالي 70 عاماً هو عمر مؤسسة الصناعات الحربية، لكن لا نتائج واضحة أو مبهرة، إن إحدى أهم الخطوات التي يجدر بنا اتخاذها احتضان المشاريع الطلابية التكنولوجية، (غوغل، ويندوز، واتس آب، فيس بوك) كلها مشروعات انطلقت بمبادرات الشباب الجامعي، وتقدر قيمتها الآن بمليارات الدولارات، ولدينا اليوم ثروة وعقول قادمة من الجامعات الأميركية والأوروبية يجب أن تستغل في هذا المجهود وغيره من المبادرات الريادية، وإلا رحلت وهاجرت كما حدث للعديد من الدول العربية التي برع أبناؤها خارج دولهم بعد أن تم إحباطهم.

إن من الضروري أيضاً توحيد جهود جميع المؤسسات، ومراكز الأبحاث المعنية بالصناعات العسكرية في المملكة تحت سقف واحد لضبط هذه العملية البحثية وعدم تشتيت العمل وتوحيد الأهداف والاستراتيجيات لكي لا نقع في فخ التكرار والازدواجية.
&