&ديانا حدارة


في زيارتها الأولى للبنان، قبل الاعتداءات الإرهابية التي هزت باريس والعالم، وأثناء جلسة مع عدد من السياسيين اللبنانيين، عبّرت نائب رئيس الـ UMP، حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي أصبح يسمى حزب «الجمهوريين» ووزيرة البيئة والتطوير المستدام والمواصلات والإسكان الفرنسية السابقة ناتالي كوسيوسكو موريزيه، عن دهشتها للعدد الهائل للاجئين السوريين في لبنان وخوفها على مصير جيل جديد من الأطفال الذين لا يتلقون التعليم. ناتالي موريزيه السياسية اليمينية، سيدة بإرادة من حديد، تقول إنها وريثة لتاريخ عائلة ذات جذور سياسية وليس لمنصب سياسي، ورغم شغفها بالسياسة، فإن الهندسة تخصصها الجامعي. وترى أيضاً أن المرأة هي التي تحرّك العالم وإن بتكتم وصمت.


«الحياة» تنشر هذا الحوار الذي اجرته الشقيقة مجلة «لها» مع ناتالي موريزيه:


> حين قرأت سيرتك الذاتية اكتشفت شابة شقّت طريقها إلى عالم السياسة وحدها على رغم انتمائها إلى عائلة لديها تاريخ سياسي في فرنسا. هل يصعب القيام بالأمر من دون الاعتماد على العائلة؟
- إنها مفارقة في حياتي، صحيح أنني أنتمي إلى عائلة عملت في السياسة، ولكن في الوقت نفسه لم ترافقني عائلتي في حياتي السياسية، خصوصاً أنني درست في مجال بعيد جداً عن السياسة، فمجال الهندسة علمي بحت ولا يؤدي إلى السياسة. والذي كان في إمكانه مساعدتي في شق طريقي السياسية هو جدّي الذي توفي عام 1994. ويقول الناس إن جد والدي أندريه موريزيه كان هو أيضاً يعمل في السياسة، فقد كان عمدة بولون- بولانكور، لكنه توفي عام 1942. أعتقد أنه لا يمكن الادعاء أن هذا التتابع في السياسة ليس له إرث، وربما الحس السياسي انتقل إليّ في شكل عفوي من طريق الذكريات والتراث السياسي للعائلة، ومن المنطقي أن يكون أحد الأحفاد مهتماً بالسياسة. وبالتالي لا يمكن القول إنني ورثت السياسة بالمعنى المباشر، أي المنصب، وإنما ورثت الميل والشغف بالسياسة.


> نائب رئيس UMP وأمّ. كيف يمكن سيدة تعمل في السياسة أن تجد التوازن بين عملها وعائلتها، وتحديدًا أمومتها؟


- لدي ولدان، 10 و6 سنوات، عندما أنجبت ابني الأول كنت نائباً، وعند ولادة ابني الثاني كنت وزيرة. ما أريد قوله هو أن عملي السياسي ليس حدثاً طارئاً على أمومتي وحياتي الزوجية، إذ كنت أعمل في السياسة قبل زواجي، وبالتالي ولداي يدركان ماهية عملي ويتفهمان طبيعته. وكما كل النساء العاملات، أعمل جاهدة لتنظيم حياتي وإيجاد التوازن بين متطلّبات العمل وواجبات العائلة. لذا تجدينني أصرّ على إيصال ابنيّ إلى المدرسة عند الصباح، فلا مواعيد في المكتب قبل التاسعة إلا ربعاً، وأكون معهما عند المساء، موعد استحمامهما وذهابهما إلى الفراش، ثم أخرج لإكمال عملي.
> هل أنت راديكالية في تربية ابنيك أم ليبرالية؟
- من الجميل أن تربي أبناءك على الانفتاح والحرية. وأنا ليبرالية، أؤمن بأنّ التربية يجب أن تقوم على تنمية ذكاء الطفل وتطويره ومنحه حرية التفكير، وتعزيز الفضول العلمي لديه وجعله يهتم بالآخر.
> ولداك يحملان اسم عائلتك. كيف اتخذت وزوجك هذا القرار؟
- كان هذا بالاتفاق مع زوجي. كنت أرغب في نقل كنيتي إلى أبنائي، وفي الوقت نفسه رأى زوجي أن عائلتي، بجذورها السياسية العميقة، أقرب إلى تعزيز الهوية، بينما اسم عائلته أقرب إلى اسم شخص، لذا وافق من دون تردد. وهكذا كان.

«أنا محظوظة»


> في روايته AUTOUR D’ELVIR كتب زوجك جان- بيار فيليب إهداء وصفك فيه بأنك «أميرة الصباحات الصغيرة»، بدورك كيف تصفين نفسك؟
- أظن أن هذا الإهداء وسيلة أراد منها زوجي أن يسخر من العمل المتواصل والمرهق، وأعتقد أنه يشير إلى وجودي في كل مكان. بالنسبة إلي، أصف نفسي بأنني امرأة محظوظة تعمل في مجال يمثّل بالنسبة إليها شغفاً، وهذا أحياناً صعب لأنه يستغرق الكثير من الوقت والطاقة وبذل الجهد، وأحياناً أخرى يكون قاسياً، خصوصاً عندما يتعرض الواحد منا لانتقاد الصحافة اللاذع التي لا ترحم. من جهة أخرى، أفكر في كل الأشخاص الذين يستيقظون باكراً جداً للذهاب إلى أعمالهم ويعودون متأخرين، أفكر في الأشخاص الذين يعملون في مهنة لا يحبونها ولكنهم ملزمون بها، فأجد نفسي محظوظة لأنني أعمل في مهنتي بشغف رغم الصعوبات التي أواجهها. ومحظوظ من يعمل في مجال يحبه.


> كيف تنظرين إلى وضع المرأة في العالم العربي؟


- أنا مقتنعة بأن المرأة هي التي تحرك العالم وأحياناً بتكتم شديد. فالمرأة هي التي تعيد العالم إلى الصواب عندما يفقد عقله ويصاب بالجنون. وللأسف في كل الأزمات التي تحدث في العالم، تكون المرأة الضحية الأولى، وهذا ما يحصل للمرأة العربية التي تعيش في مناطق النزاعات الدامية، وعلينا مساعدتها أكثر من أي وقت مضى، فنشجع على تمكينها بما يمدّها بالقدرة على تربية أبنائها في شكل أفضل.
> زرت مخيم اللاجئين السوريين في بعلبك، حيث الكثير من النسوة والأطفال. كيف تقوّمين وضع المخيم؟
- قبل ستة أشهر، زرت مخيم اللاجئين في كردستان العراق، عبر منظمة غير حكومية. صحيح أنه مخيم لجوء، ولكن فيه الحد الأدنى من شروط الحياة الصحية. أما في مخيم بعلبك للاجئين السوريين فقد صعقت بما رأيت، فسكانه يفتقدون إلى الحدّ الأدنى من معايير الحياة الكريمة. هناك نقص كبير جداً في إدارة شؤون اللاجئين، وهناك عدد هائل من المواليد لم يسجّلوا في الدوائر الرسمية، يمكن القول إنهم غير موجودين في الواقع الرسمي. أما الشروط الصحية فسيئة إلى أقصى الحدود، وبدا جلياً أن وضع النساء في المخيم قاس جدًا، فهن يعشن وحدهن من دون أزواجهن الذين ربما قتلوا أو رحلوا.