مطلق بن سعود المطيري

روسيا بوتين في السياسة ليست دولة تعددية سياسية تتجاذبها مناخات متعددة ومتصارعة تجعل من التنبؤ بسلوكها السياسي أمراً معقداً وصعباً، بل بلد الرجل الواحد والقرار الواحد، شخصية الزعيم القائد لم تغب عن فلسفة الحكم في موسكو منذ ثورة لينن 1917 إلى بوتين 2015، فالتحول من حكم الحزب الحاكم ذي الطبيعة الايدولوجية الواحدة والقاهرة لكل التطلعات السياسية المخالفة، لم تخلق مناخاً تعددياً تبرز فيه المنافسات بين أقطاب الحكم، بسبب أن الشيوعية نظام اجتماعي وثقافي نتجت عنه سياسة حكم، فالشعب الروسي لا يرى السياسة بدون زعيم تاريخي مخلص يمنحه الولاء والقدسية..

شخصية الزعيم التاريخية تتطلب البحث في مبادئه عند تحليل قراره السياسي وليس النظر في مصالحه المتغيرة، وهذا لا يعني أننا أمام مثالية راسخة تتجاوز عتبة المصالح غير الأخلاقية، ولكننا أمام شخصية صلبة تفرض سياستها بقوة المبدأ وليس بتأثير السياسة، فموقف روسيا من مصير بشار الأسد موقف مبدئي لزعيم روسيا قد يكون موقفاً ينطوي على حزمة من المصالح ولكنه أيضاً يواجه حزمة مكثفة من التحديات، وقد تكون المصالح المعروضة على روسيا للتخلي عن موقفها أكثر من المصالح التي ستجنيها لو تمسكت بموقفها، ووسط هذا الفارق تمسكت روسيا بموقفها، لتطبع موقفها بمبدأ أخلاقي لا يتزحزح عن مكانه، هذا الشيء أدى إلى تمسك بشار الأسد بالحكم على الرغم من وصول رصاص الموت لسترة الصدرة الوقائية، فوعد روسيا له بالمساندة هو وعد مبدئي يتطلب منه أن يعرض نفسه للخطر وتقبل نتائج هذا الوعد..

على الطرف الآخر في القضية السورية تقف إيران بنفس الوعد والسياسة ونفس التحالف.. فطهران التي زارها الاثنين الرئيس الروسي في قمة الدول المصدرة للغاز تعرف جيداً أنها تستقبل حليفاً ملتزماً معها بموقف تجاه الأزمة السورية، ولن يتنازل عن التحالف معها بعد فتح نافذة المصالح الأميركية عليها، الشيء الذي جعل الوصول للمصالح في طهران مهمة أميركية، فبعد توقيع الاتفاق النووي أصبحت واشنطن بالنسبة لطهران غرفة تم فيها التفاوض وخرجت منها منتصرة والعودة لها مرة أخرى مسؤولية أميركا إن أرادت فعليها القيام بذلك وحدها، فالمصلحة الأميركية في العراق والخليج والحرب على الإرهاب أصبحت تمر من خلال بوابة طهران، فغباء واشنطن جعلها تقضي على مصالحها باسم الدفاع عن مصالحها، وتبعتها بذلك دول أوربا التي ضيعت فرصاً سياسية عديدة لخدمة مصالحها الاستراتيجية مثل تعثر وحدتها وانسحابها من مواقع حيوية في العالم، كل ذلك عزز قوة موسكو التي لم تعد العالم بمصالح وفتح جديد في الاقتصاد، ولكن عبرت عن موقفها بقوة وتهاوت أمامه قوة واشنطن وحلفائها الاوربيين، فإيران وروسيا حلف دعم قوته ضعف الخصوم وتشتتهم وليس بسبب قوته المادية والعسكرية، فالكلام عن الخلاف بينها هو كلام يفيد تعزية واشنطن بموت قوتها ومصالحها ومبادئها وليس وصفاً دقيقاً لتباين المصالح بينها، موسكو تعلمت أن المبدأ قوة وطهران آمنت بمبدأ حليفها.
&