صالح القلاب

حتى يكون مؤتمر الرياض، الذي من المتوقع أنْ يُعقد في منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ناجحًا ويحقق أهدافه المرجوة فإن المسؤولية، كل المسؤولية، تقع على عاتق المعارضة السورية التي عليها ألَّا تخذل شعبها وألَّا تخذل الداعين وأنْ تذهب إلى هذا المؤتمر التاريخي فعلاً بموقف واحد وبوجهة نظر واحدة وعلى أساس ولو الحد الأدنى من التفاهم، فالمرحلة لا تحتمل الفشل وأي فشل والمملكة العربية السعودية صاحبة الباع الطويل في هذا المجال، ومؤتمر الطائف الشهير يشهد على هذا، لا يمكن أن تستضيف اجتماعًا يكون مجرد قفزة في الهواء وبدل أنْ يجمع كلمة المستضافين ويوحد صفوفهم يزيدهم تشرذمًا وفرقة!!

المعروف، وهذا لا نقاش فيه ولا جدال حوله، أنَّ هذه المعارضة، والمقصود هو المعارضة (المعتدلة)، وإذ إن المفترض أنَّ كل فصائل المعارضة السورية باستثناء «داعش» معتدلة، قد بدأت وبكل فصائلها من الصفر في عام 2011 فهذا النظام، نظام الأسد الأب والابن، استطاع على مدى أكثر من أربعين عامًا أنْ يُدمِّر الحياة السياسية في بلدٍ كانت بداياته، قبل أن يُبتلى بظاهرة الانقلابات العسكرية وأولها انقلاب حسني الزعيم في عام 1949، بدايات خير وتفاؤل بأن تتحول سوريا، هذا البلد العظيم، إلى تجربة ناجحة في المنطقة العربية كلها وفي العالم الثالث بأسره.

إنَّ هذه مسألة لا ينكرها إلَّا إمَّا جاهلٌ لا يعرف كيف كانت حقائق الأمور في واحدة من أهم الدول العربية، وإمَّا متجنٍ هدفه الدفاع عن هذا النظام الاستبدادي الذي دمَّر الحياة السياسية في هذا البلد العظيم وقضى على الأحزاب وحوّل سوريا إلى نسخة أخرى من كوريا الشمالية ومن تجربة كيم إيل سونغ، وكانت النتيجة أن الشعب السوري عندما انطلقت شرارة الثورة في مارس (آذار) عام 2011، قد اضطر لأن يبدأ من نقطة الصفر وأن تكون هناك كل هذه «الشَّرذمة» وأن تحفر المعارضة بأظافرها في «صوان»، حالة أرادها مؤسس هذا النظام وعامدًا متعمدًا كي يبقى الحكم له ولعائلته وأعوانها من المهد إلى اللحد وإلى الأبد.

ثم وإنه معروف أن هذا النظام التآمري المخابراتي، قد بادر ومنذ اليوم الأول إلى اختراق معظم التنظيمات المُعارِضة الناشئة، إنْ ليس كلها، بـ«المخبرين» والمخابراتيين، وحقيقة أن هذا هو ما أدَّى إلى الكثير من التشوهات والانحرافات، وإلى ظهور الكثير من النزعات الإرهابية المفتعلة وإلى هذا التشرذم وكل هذه الانقسامات، وحال دون أن يكون هناك تنظيم رئيسي يشكل عمودًا فقْريًّا للمعارضة ويوحدها، ولو على أساس الحد الأدنى ويحميها من الاختراقات الداخلية والخارجية، ويجعلها جاهزة دائمًا وأبدًا لتمثيل شعبها في أي «مرحلة انتقالية».

وهكذا فإنه ما كان من الممكن أن يكون هناك لا «داعش» ولا أي تنظيم إرهابي آخر، وما كان من الممكن أن «يصْمد» هذا النظام كل هذه الفترة الطويلة، وأن يكون هناك كل هذا التدخل الإيراني والروسي السافر، لو أنَّ هذه المعارضة السورية لم تبدأ سياسيًا من الصفر، ولو أنها لم تُبتلَ بداء التشرذم والانقسام والاختراق، ولو أنها تمكنت من أن يبرُز من خلالها تنظيم قيادي يلعب الدور الذي لعبته حركة فتح بالنسبة للثورة الفلسطينية، التي حافظت على وحدة القرار الفلسطيني في ظل تعددية بعض فصائلها مفتعلة، وهي عبارة عن تمدد بعض الأنظمة العربية في ساحة العمل الوطني الفلسطيني.

لكن ورغم كلَّ هذا الذي ابتليت به المعارضة السورية، فإنه لا بد من الاعتراف بأنها قد حققت من خلال الجيش السوري الحر في البدايات، قبل التدخل العسكري الإيراني وقبل تدخل حزب الله اللبناني وقبل استيراد كل هذه الفصائل والشراذم الطائفية والمذهبية ومن كل حدب وصوب، كما يقال، إنجازات عظيمة على الأرض، وأن بشار الأسد كان على وشك حزْم أمتعته والمغادرة، وبخاصة بعدما أصبح مهددًا بعمل عسكري أميركي وغربي بعد استخدامه للسلاح الكيماوي.. وهذه الحالة كانت قد تكررت كما هو معروف قبل التدخل العسكري الروسي، حيث كان هذا الرئيس السوري قد أعلن عجزه وعدم قدرة جيشه على القتال في جميع الأراضي السورية، قبل هذا التدخل الذي كانت مهمته قد اتضحت منذ اللحظة الأولى، وأن الهدف هو ليس «داعش»، وإنما الجيش السوري الحر والمعارضة المعتدلة.

إنَّ هذا هو واقع الحال بالنسبة للمعارضة السورية التي لا يعفيها من المسؤولية التاريخية التي تتحملها أنْ تذهب إلى مؤتمر الرياض الآنف الذكر دون تسوية أوضاعها الداخلية ودون الاتفاق، وقبل الذهاب إلى هذا المؤتمر المرتقب العتيد، على برنامج الحد الأدنى وعلى مشروع اندماج معظم التشكيلات العسكرية، الكبيرة والصغيرة، في الجيش الحر، وعلى تخليص الائتلاف الوطني من كل هذه الصيغ التنظيمية المركبة والتي جعلت التناوب على رئاسته يشكل عبئًا ثقيلاً على التجربة غير مسبوقة في ظروف لم تواجهها أي حركة تحرر لا عربية ولا غير عربية.

لكن ومع ذلك ورغم هذا كله فإنه لا يمكن التقليل من أهمية الإنجازات التي حققها هذا «الائتلاف» فهو أولاً انتزع اعترافًا دوليًا بأنه الممثل «الوحيد» للشعب السوري وهو قد تمكن من تعميم ظاهرة اللجان المحلية «الفاعلة» في كل الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام وهو وبقدر الإمكان قد حافظ على الجيش الحر وحافظ على علاقات المعارضة مع الكثير من دول العالم ومَثَّلها، بل مثل شعب سوريا، في الكثير من المنتديات العربية والدولية.. والمفترض بعد مؤتمر الرياض العتيد الآنف الذكر، أنْ تكون هناك نقلة نوعية، وأن يأخذ التشكيل الوطني مكانه وباسم الشعب السوري في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، سواءً أكانت هناك مرحلة انتقالية أم لا.

الآن أصبح الوضع السوري على مفترق طرق خطير بالفعل مما يتطلب أن تكون الأيام المقبلة، حتى منتصف ديسمبر القادم، أيام عملٍ جادٍّ ودؤوب وأن تنتهي نهائيًا ظاهرة «الحَرد»، التي بقي يمارسها بعض رموز الائتلاف الوطني مزاجيًّا.. إنه لا بد من أن يكون مؤتمر الرياض هذا ناجحًا وعلى غرار نجاح مؤتمر الطائف الشهير الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك فإنه لا بد من الاتفاق قبل هذا المؤتمر وخلاله وبعده على موقف موحد تجاه المرحلة الانتقالية على أساس «جنيف1»، وعلى أنه لا مكان فعليًّا لبشار الأسد في هذه المرحلة، ولا بقاء نهائيًا له في المستقبل السوري.. إنه لا يجوز أن تبقى مثل هذه الأمور المهمة والحساسة عائمة وموضع اختلاف بين مكونات الائتلاف الوطني من تنظيمات وأفراد قياديين، فالاختلاف بين هذه المكونات في هذه المرحلة سيكون مكلفًا ولن يستفيد منه إلَّا الإيرانيون والروس وبالتالي هذا النظام البائس الذي كانت سنوات حكمه كلها منذ عام 1970 وحتى الآن عبارة عن كوابيس مرعبة.

إنه ليس مطلوبًا أن يذهب الجميع، جميع تنظيمات وفصائل المعارضة، إلى مؤتمر الرياض تحت جناح الائتلاف الوطني وفي إطاره ولو شكليًا، فهذا ربما غير واردٍ وغير ممكن في هذه الوقت وفي هذه المرحلة، لكن المطلوب والضروري أن يكون هناك تفاهم على برنامج الحد الأدنى، وبخاصة فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية التي أهم ما فيها، حتى قبل «الهيئة الوطنية» المقترحة، أنه لا مكان لبشار الأسد لا في هذه المرحلة ولا في مستقبل سوريا، وأنه مرفوض أن تحِلَّ ما تسمى «الحكومة الوطنية» المقترحة محل هذه الهيئة التي من المفترض القبول بأن يشارك فيها كل من تُلطخ يداه بالدماء من أعوان هذا النظام ورموزه.

إنها فترة شائكة وصعبة وإن الاتفاق على معظم هذه الأمور المشار إليها في ظل هذا الواقع السياسي والتنظيمي الذي تعيشه المعارضة.. يبدو في غاية الصعوبة إنْ لم يكن مستحيلاً.. لكن ما العمل وأوضاع سوريا ومستقبلها هي هذه الأوضاع الخطيرة.. إنَّ هذا هو واقع الحال ولذلك فإنه، ومرة أخرى، يجب أن تكون هناك تنازلات متبادلة ويجب تمثيل الإخوة العلويين وتشكيلهم الجديد الناشئ: «تيار غد سوريا».. ويجب أن: «يُوسِّع الائتلاف صدره» ويتفهم مطالب الجميع لإنجاح مؤتمر الرياض، ولتكون الخطوات في اتجاه المرحلة الانتقالية متناغمة إن ليست موحدة ومتطابقة.