&فاتح عبدالسلام


ايران تعاملت مع العراق منذ أن أطلقت واشنطن يدها فيه على انه منطقة نفوذ ومجال حيوي لحماية أمنها . وحاول بعض القادة الايرانيين أن يقننوا مسألة النفوذ وأن يضعوها في اطار شرعي بالقول أن عمقاً بطول أربعين كيلومتراً هو ما تحتاجه ايران لمواجهة تهديدات محتملة ، ورأينا كيف طهّرت المليشيات شريطاً حدودياً بعمق أكثر من اربعين كيلومترا وطردت سكان القرى تحت شعارات مكافحة الارهاب . لكن ايران لا تكتفي بهذا العمق المتواضع، وباتت عملياً تقاتل في سوريا ،ونفوذها يمتد الى جنوب لبنان حيث حزب الله ذراعها الضاربة هناك .


تركيا أيضاً كانت منذخمس وثلاثين سنة قد اتفقت مع الحكومة العراقية أنذاك على امكانية دخول قواتها البرية والجوية بعمق خمسة الى عشرة كيلومترات لملاحقة منظمات كردية مناوئة كحزب العمال الكردستاني بوصف ذلك من أعمال المجال الحيوي الاقليمي لأمنها. وبعد احتلال العراق استمرت تركيا بالتعامل مع مسألة ما تراه حقها في ملاحقة مناوئيها في العمق العراق ضمن اقليم كردستان العراق من خلال القصف الجوي والعمليات البرية المحدودة. لكن الأزمة السورية أظهرت الحاجة التركية الى مد مجال النفوذ الحيوي والابقاء عليه تحت انظار المراقبة لاسيما ان أنقرة تدرك وجود روابط علوية بين البلدين فضلاً عن وجود مناطق تركمانية في سوريا يقطنها مليون ونصف المليون من التركمان الذين سقطت طائرة سوخوي الروسية فوق اراضيهم بما أعطى انطباعاً بأن روسيا تقصف المجال الامني الحيوي التركي وإن كان داخل سوريا ، وهو الامر الذي عبر عنه داود أوغلو رئيس الوزراء التركي بالقول انهم يتحججون بداعش لقصف المناطق التركمانية في سوريا.


روسيا، بوصفها دولة كبرى، تحدثت وتصرفت مبكراً على أساس أن سوريا كلها ونظامها السياسي من المجالات الحيوية لنفوذها في الشرق الأوسط وغير مستعدة نهائياً التخلي عنه بسهولة لصالح مشاريع أمريكية أو أوروبية .. أو حتى ايرانية. ما يجري اقليمياً ودولياً هوصراع واضح على مناطق النفوذ في البلدين المشلولين الممزقين العراق وسوريا.
رئيس التحرير