جيل كيبيل

ينتمي الهجومان الإرهابيان اللذان افتتحا عام 2015 واختتماه في فرنسا - الأول: حادثة إطلاق النار على صحيفة "تشارلي إبدو" في يناير، والثاني الهجمات المنسقة التي وقعت هذا الشهر- إلى الاستراتيجية ذاتها التي شرحها الجهادي المتطرف أبومصعب السوري في كتابة الصادر عام 2005 تحت عنوان "الدعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية".


ووفقاً لنظرة أبومصعب، يُعد قرار أسامة بن لادن بالهجوم مباشرة على الولايات المتحدة خطأ ناجماً عن الكبرياء، الأمر الذي حث أميركا على تدمير تنظيم "القاعدة". كما يعتقد أن أوروبا هدف مناسب أكثر من الولايات المتحدة، ليس فقط لكونها أضعف منها بكثير، بل بسبب الأعداد المتنامية لسكانها المسلمين أيضاً.


ويطمح أبومصعب إلى استغلال هذه المجتمعات، التي لم يندمج كثير منها مع محيطه ويشعر بالحرمان، بهدف إشعال حرب أهلية أوروبية بين المسلمين الذين وقعوا في شباك التطرف وغير المسلمين، سعياً وراء الهدف الأخير المتمثل في إنشاء الخلافة على القارة الأوروبية.


وللوصول إلى هذا الهدف، يسعى الجهاديون إلى تقسيم المجتمعات الأوروبية من خلال اتباع تكتيكات إرهابية، بينما يستغلون تغيير التركيبة السكانية التي تشهد تراجعاً في عدد السكان الأصليين، في الوقت الذي تتضخم مجتمعات المهاجرين المسلمين. وخشية من هذه العواقب الديموجرافية، بدأ بعض الناخبين في دعم الأحزاب السياسية التابعة لأقصى اليمين مثل "الجبهة الوطنية"، التي يتوقع مستطلعو الآراء أن تحقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات الإقليمية الفرنسية الشهر المقبل.


ولكن على الصعيد التكتيكي، يختلف هجوما يناير ونوفمبر بشكل ملحوظ عن بعضهما البعض. فحادثة إطلاق النار على صحيفة "تشارلي إبدو" استهدفت من يعتبرهم الجهاديون "أعداء الله" (مثل رسامي الكاريكاتير والمرتدين واليهود)، إلا أن الهجوم الأخير استهدف الفئة الديموجرافية الشابة في باريس دون تمييز. بيد، أن هذا الهجوم لم يكن منظماً كما يجب، إذ إن المخططين كانوا يطمحون إلى إسقاط مزيد من الضحايا. على سبيل المثال، لم يتمكن المعتدون الذين يرتدون الأحزمة الناسفة من الدخول إلى الملعب لاستهداف أي من الـ80 ألف شخص الموجودين هناك، بمن فيهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.


وفي حين نجح المعتدون في ترهيب عدوهم، لم تكن العملية استراتيجية فاعلة لحشد دعم المتعاطفين معهم. ومنذ الأسبوع الماضي، لم يُسجل تضامن ملحوظ مع تنظيم داعش في العراق والشام خارج المجموعة الأساسية الداعمة لـ"الفرنكوفونيين". وفي الواقع، قد يُنفِِّر الهجوم هؤلاء الداعمين وينذر بهزيمة استراتيجية "داعش" على غرار التراجع الذي عرفه تنظيم "القاعدة" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، عندما صبَّ المجتمع الدولي تركيزه على هذا الأخير بغية القضاء عليه.


وقد تلتقي أخيراً مصالح الدول الأخرى -المعنية حالياً بمحاربة تنظيم داعش والمنخرطة في مسرح الأحداث الدامية لهذه الجماعة- بما فيها روسيا وتركيا ودول الخليج، فتعتبر التنظيم عدوها اللدود.