أيمـن الـحـمـاد

في مايو الماضي صنفت المملكة اثنين من قيادي «حزب الله» هما؛ خليل حرب ومحمد قبلان -وهما من العناصر النافذة في الحزب-، والتي تتولى عملياته الإرهابية في الخارج، باعتبارهما شخصيات يحظر التعامل معها ووضعتهما في القائمة السوداء.

وبالأمس، وفي تطور يؤكد مراقبة المملكة الحثيثة لأنشطة «حزب الله» الذي تعتبره عدد من الدول والمنظمات الكبرى منظمة إرهابية، صنفت الرياض أسماء قياديين ومسؤولين من «حزب الله» على خلفية مسؤولياتهم عن عمليات لصالح الحزب في أنحاء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كيانات تعمل كأذرع استثمارية لأنشطة الحزب باعتبارهم شخصيات وكيانات إرهابية ما استوجب فرض عقوبات صارمة بحقهم.

ويأتي ذلك في إطار إصرار المملكة على ضرب مصادر تمويل العمليات الإرهابية التي يقوم به «حزب الله»، وذلك من خلال التقصي عن أنشطته وعملياته المالية، التي تدور حولها شبهات كبيرة، لاسيما تلك المتعلقة بغسيل الأموال وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، سواء أكانت تلك الأنشطة في المملكة أم دول الخليج أو حتى في أميركا الجنوبية حيث تنسق المملكة مع شركائها في عدد من العواصم اللاتينية لأجل هذا الأمر.

وتدرك الرياض أن العمليات المالية ل»حزب الله» تعتمد ويستند جزء كبير منها إلى الدعم الإيراني، الذي دأب دوماً على تمويل الجماعات والمليشيات الإرهابية في المنطقة، كأذرع يحقق من خلالها أهدافه بخلق بؤر التوتر في المنطقة، وحسب عمليات التقصي فإن ما يتلقاه الحزب من إيران قد يصل إلى 200 مليون دولار.

إلا أن طهران وبسبب تراجع عائدات النفط قلصت من حجم إنفاقها على مليشياتها الخارجية بما فيها «حزب الله»، لكن ذلك بلاشك سيكون أمراً موقتاً، إذ وبفضل رفع العقوبات على إيران بعد توقيعها الاتفاق النووي في فيينا هذا العام، ينتظر أن تفرج عدد من المؤسسات المالية الدولية عن النقد المجمد لطهران، وتفسح المجال لها كذلك من أجل القيام بعمليات مالية واستثمارية ستعمل من خلال الفوائد التي ستحصل عليها إعادة تمويل «حزب الله» وغيرها من المنظمات الارهابية، وهذا يعني حاجة المجتمع الدولي لفرض رقابة دقيقة على الحركة المالية والأنشطة التجارية لإيران.

إن جزءاً كبيراً من التزام المملكة تجاه المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، لا يقتصر على منظمات دون أخرى، إذ تنظر الرياض إلى الإرهاب باعتباره آفة لا يمثل ديناً ولا ثقافة ولا هوية، ففي موازة جهدها المكثف لتجفيف مصادر «حزب الله» تعمل المؤسسة الأمنية في المملكة بذات الوتيرة لاستهداف موارد تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يعتمد في مداخليه على عمليات الخطف والابتزاز وبيع الآثار والنفط والضرائب والعديد من الطرق الملتوية وغير المشروعة الممتدة في بعض الأحيان إلى عدد من الدول في المنطقة، وتدرك المملكة أن جزءاً من الحرب على الإرهاب ينطلق من تجفيف منابع تمويله لإيقاف عملياته وتعطيلها، وكان المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست قد أشار أول من أمس إلى أن جهداً دولياً كبيراً يتم الآن للقضاء على خطوط تمويل «داعش» وهو جهد يجري بقيادة المسؤولين السعوديين معرباً عن تقدير واشنطن لمساهمتهم في هذا الجهد.

إن الموقف الدولي يبدو اليوم عازماً بشكل كبير على مكافحة الجماعات الإرهابية يدفعه اليقين بضررها وتهديدها للأمن العالمي، وهذا لا يعني الاكتفاء بموجهتها أمنياً فقط بل وسياسياً من خلال تسمية الأمور بمسمياتها، فالاعتراف بأن دولة ما داعمة للإرهاب يقتضي مواجهتها بشكل صريح وصارم بهذه الحقائق، وعدم الركون إلى توقعات أو احتمالات مستقبلية تنفيها الحقائق الآنية الواضحة.
&