مطلق بن سعود المطيري

لا يمكن أن تفصل المواجهة بين روسيا وتركيا عن شخصيات زعاماتهما "بوتين وأردوغان"، فهي أقرب لتحديات شخصية منها لصراع بين دولتين، فاتهام الرئيس الروسي للرئيس أردوغان بأنه يريد: "أسلمة تركيا" اتهام يعزز النزعة الشخصية للصراع، فهناك ثأر اتضحت معالمه وقد يأخذ في طريقه مجموعة من القرارات السياسية وليس قراراً واحداً، بدأها بوتين بقرار المناورات العسكرية الروسية المصرية، فهو قرار يحمل تحديات للرئيس أردوغان وليس لدولته تركيا، فالمعروف عن الرئيس التركي أنه يعارض شرعية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وفتح بلده على مصراعيها لجماعة الإخوان كتعبير صريح ومؤذٍ لشرعية السيسي..

القيصر يرى أن السلطان طعنه بالظهر، وهذا وصف أليم ويعبر عن كسر طوق الثقة بين الزعيمين، مع أن الأمر لا يأتي بهذا الوصف، فالقضية التي ظهرت على إثر سقوط الطائرة الروسية بسلاح جوي تركي، لم يكن بها غدر أو خيانة حليف لحليف، فالدفاع عن السيادة لا يأتي بالمجاملة أو الخنوع ولكن بقبول التحدي والصبر عليه، روسيا القيصر حساباتها السياسية في المنطقة تتعدى الحفاظ على بشار الأسد إلى إعادة ترتيب الظروف السياسية والاستراتيجية على الخطوط التي ترسمها موسكو، فالقيصر ليس مهتماً اهتماماً مباشراً بمستقبل بشار الأسد بل كل اهتمامه بمستقبل مصالحه الجديدة في المنطقة، فلو رضيت أنقرة بوجود بشار في العملية السياسية الانتقالية وأقنعت حلفاءها بذلك، سوف تخلق موسكو أسباباً جديدة تمدد بعمر الأزمة السورية حتى يكتمل مشروعها الجديد، لذلك سوف تجعل موسكو أزمة سقوط الطائرة أزمة بين موسكو وأردوغان وليس مع تركيا ولعل هذا الاتجاه يجعل المصالح الاقتصادية بينهما في مأمن، فزيارة مبعوث من أردوغان لموسكو ينقل لها شيئاً يوجد به ملمح بسيط من الاعتذار سوف يحفظ تلك المصالح.

زعامة السلطان لا تكفي وحدها لمواجهة القيصر بل تعتمد على إرادة حليفها الأمريكي وهذا الأخير حليف غير موثوق به، بل أصبح هذا الحليف قريب الشبه بقوة تأثير الأمم المتحدة، يقوم بإجراءات سياسية ولكن ليس لها طعم أو لون، فارغة من المحتوى والتأثير.. وتبقى الحكمة كيف تحيد أنقرة الحليف الأمريكي في أزمتها مع موسكو؟ لأن دخوله على خط الأزمة سوف يزيد من توتر الصراع ويجعل الأكراد قوة مرشحة للاستخدام ضد تركيا، فواشنطن بملف الأكراد لا تختلف عن موسكو فكلاهما يرى أن الكرد قوة مطلوبة في الحرب على الإرهاب وهذا شيء تعارضه أنقرة.

روسيا سوف تنتقم انتقاماً شديداً من تركيا بطريقة غير مباشرة فبعد أن زخت سوريا بسلاح فتاك، فإن إشعال جهنم هذا السلاح ستكون داخل سوريا، وستفتح نارها على جميع القوى السورية المعارضة لبشار الأسد، وربما تشهد سوريا قتالاً أعنف من الأعوام الماضية، قتال هدفه ضرب كل القوى السورية المحاربة لنظام الأسد بهدف استئصالها نهائياً، وبعد إنهاء هذه القوى تُعلن سيطرة بشار الأسد على كل سوريا وعلى هذه النتيجة يؤسس الحل السياسي.. فهل سلطان تركيا سيذهب للدفاع عن المعارضة السورية لعمل أكبر من سقوط الطائرة، أم سيكتفي بالنتيجة التي سوف يحددها بوتين؟ والنتيجة التي يريدها بوتين لن تتوقف عند بشار الأسد بل القضاء على كل الجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا.
&