محمد الأشهب

أن تنقل السلطات التونسية الحرب على التنظيمات الإرهابية المتطرفة إلى مساحات داخلية وخارجية، فالأمر مشروع بكل المقاييس والاعتبارات التي تمليها حروب الدفاع عن الأمن والاستقرار. أقلها أن فلول الإرهابيين لا تستثني أي وسيلة إلا وتستخدمها في بث الرعب وهدر أرواح الأبرياء. وإذ تجيز لنفسها أن تعبر الحدود في جنح الظلام، فلا شيء يحول دون الرد بما يحتمه الموقف، على مستوى تشديد الرقابة على المعابر والمنافذ. وإن كان الراجح أن فصولاً من الإرهاب عمدت إلى الاستقرار في الداخل.

&

لئن كان المسار الديموقراطي في تونس مستهدفاً من قوى الظلام، كما كل قيم التعايش والتسامح وكرامة الإنسان، فالأكيد أنه لم يبق شيء من ليبيا المجاورة، وقد انحرف ربيعها إلى حافة الهاوية، بعد أن عمت الفوضى وهيمنت لغة السلاح وسطوة الميليشيات. لذلك لا يمكن مؤاخذة السلطات التونسية على قرار إغلاق حدودها الشرقية التي تأتي منها المخاطر. والواقع أن الحدود مثل الجوار، تفرض التعايش والتعاون، كما قد تتحول إلى مصدر قلق، حين تخرج عن دائرة السيطرة المرادفة لحرية تنقل الأشخاص والبضائع. والأمل في أن يكون أمد القرار قصيراً أو لا يترك ندوباً على العلاقات مع الجوار.

&

لكن التجربة دلت على أن اتفاقات شينغن لم تحل دون تسلل المخاطر إلى البلدان الأوروبية، وهي التي سبقت في وضع جدار سميك من الإجراءات التي حتمت زحف بواخر الموت القادمة من جنوب وشرق البحر المتوسط، بحثاً عن ملاذات آمنة من حروب الإبادة السياسية والعرقية والمذهبية. لكن التذكير بحالة المغرب والجزائر يبدو استثناء.

&

لماذا التذكير بهذا الأمل، طالما أن خلفيات القرار التونسي في توقيتها ومضمونها ذات طابع احترازي؟ بكل بساطة لأن هناك سابقة في العلاقات المغربية – الجزائرية، بدأت أقرب إلى الإجراءات التي يمكن تفهم دوافعها، ثم تطورت إلى قطيعة حدودية تفاقمت حدتها مع توالي الأزمات.

&

كانت الرباط محقة، بعد أن تعرضت لهجمات إرهابية، تورط فيها جزائريون ومغاربة يحملون الجنسية الفرنسية. وفرضت نظام التأشيرة على الجزائريين، بينما ردت السلطات الجزائرية بالمثل وأقرت إغلاق حدودها مع المغرب. ولا يزال مفعولها سارياً بعد مرور أكثر من عقدين على الهجمات الإرهابية على فندق سياحي في مراكش صيف العام 1994.

&

كل الحذر من تكرار هذه الحالة، ذلك أن إغلاق الحدود تكون له بداية، إلا أن نهايته لا تُعرف. وفي مقابل ذلك، لم يشهد التعاون الحدودي بين الدول المغاربية تطوراً ملحوظاً، بسبب أنه لا يتحرك إلا عبر حركة التجارة الموازية غير المقننة. بل إن حجم التهريب، كما الهجرة غير الشرعية، زادا على مواقع الحدود التي تعاني بلدانها من أزمات.

&

لا خلاف حول انتشار عدوى الإرهاب من مناطق التوتر وغياب الأمن والاستقرار وفراغ السلطة، أو احتدام صراعات دموية على الاستئثار بها. ومنذ سنوات، صدرت تحذيرات قوية من أن عدم الاستقرار يتحول إلى سيول تجرف كل ما حولها، لم ينفع الأمر في تطويق مضاعفات الأوضاع في العراق، ثم أضيفت إليها أزمة سورية الخانقة. وفي الجناح الغربي للعالم العربي، انهارت مقومات الدولة في ليبيا. ولن يكفي أن تصبح معابر الحدود معها مغلقة. فقد أقدمت الجزائر من حينها على إغلاق حدودها مع مالي. لكن أليس أجدى أن تنفتح العقول على مبادرات سياسية، تساعد في إنعاش ما تبقى من بواعث الاستقرار.

&

يقال عادة أن الضرورات تبيح المحظورات، وربما أن من أوثق الضرورات الانكباب على حل الأزمة الليبية، بعد أن صارت مركز استقطاب للإرهاب الأعمى الذي يضرب في كل اتجاه.
&