خليل علي حيدر

لم يفق العالم العربي من صدمة تنظيم «القاعدة» وكوارثه في كل بلد وقطر، حتى وجد نفسه اليوم وجهاً لوجه أمام تنظيم منافس، أكثر وحشية وضراوة.. يسمي نفسه «الدولة الإسلامية في العراق والشام». تنظيم «داعش» كما يٌسمى الغول الجديد اختصاراً، تجاوز كما هو معروف كل مقاييس العنف والإرهاب، وحطم كل الموازين والأرقام في المناطق التي يسيطر عليها والتي تصل إليها أذرعته، ويذيق الرجال والنساء صنوف العذاب والإذلال.. باسم بناء الدولة الإسلامية والدفاع عن الدين ومحاربة الكفار، وبخاصة من يسميهم بـ «النصارى» الذين يعتبرهم أبرز أهدافه التصفوية، وإن كانت أدوات قتله وتعذيبه قد نالت من مسلمي العراق وسوريا بنفس عدد غير المسلمين.

أحد الشباب المسيحيين الذين لاقتهم صحيفة «الحياة» في برلين بين المهاجرين الفارين إلى ألمانيا، قال غاضباً: (لا أستطيع العيش في ظل «داعش» أو «النصرة» ولا أقبل دفع الجزية أو معاملتي كواحد من أهل الذمة. أنا سوري وعربي أصيل. لا يحق لمسلح وافد من الشيشان أو غيرها أن يستضعفني في البلاد التي عاش فيها أجداد أجدادي. لا يمكن إنكار أن سوريين يتعاطفون مع المتطرفين لكن نسبتهم قليلة. السوريون ولدوا في بلد متعدد وتشربوا المبادئ القومية). تحدث الشاب السوري كذلك عن مصير المسيحيين في بلاده والمنطقة بيأس بالغ، وكيف أن حكام بعض الدول تلاعبوا ولا يزالوا بمصيرهم وقال: (في الوقت نفسه لا أرى مستقبلاً آمناً للأقليات المسيحية في هذا الجزء من العالم. أنظر إلى ما حدث في العراق. سقوط فكرة العروبة حرم الأقليات من آخر حماية لهم. مشكلة المسيحيين هنا أنهم لا يحبون العيش في ظل الديكتاتورية وإن وفرت لهم الحماية الجسدية. ما لا يعرفه كثيرون هو أن أعلى هجرة في صفوف المسيحيين السوريين سجلت في عهد حافظ الأسد. لم يضطهد الأقليات لكنه كان يريدها تحت جناحه في مواجهة الأكثرية. التحالف مع الشيعة في لبنان يأتي في هذا السياق.

&

محاولة تطويع الموارنة في لبنان تصب في الاتجاه نفسه. المشكلة أن النظام يقاتل إسلاميين ويتحالف مع إسلاميين، يقاتل إسلاميين سُنة ويتحالف مع إسلاميين شيعة. إيران نظام ديني في الدستور ولها برنامج واسع في المنطقة).

الحياة تحت داعش شعارها «الغنائم للحكام والرعب للمحكومين»! المواطنون لا يواجهون وحشية هؤلاء المتشددين فحسب بل وكذلك النقص الحاد في الكهرباء والمياه الجارية. ولكنهم، أي قادة «داعش»، بثوا دعاية ناجحة في الإنترنت استطاعت إقناع ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل أجنبي، كثيرون منهم، تقول التقارير، جاءوا مع عائلاتهم من أماكن بعيدة مثل أستراليا.

ولا غرابة، فمواقع التواصل الاجتماعي، تصور مناطق هيمنة داعش مكاناً مليئاً بعجلات الملاهي الدوارة وحلوى غزل البنات، حيث تختلط العائلات المحلية في بهجة مع أجانب مدججين بالسلاح.

بعض ما في هذه التقارير المنشورة مؤلم ومحزن، حتى عندما لا تتحدث عن القتل والإرهاب. تقرير لصحفي أميركي في «الشرق الأوسط»، يذكر مثلاً أن (الكثير من الذين أجريت معهم المقابلات يقول إن داعش في واقع الأمر أقل فساداً من الحكومات السورية والعراقية السابقة، أي قبل هيمنة التنظيم الإرهابي). ألا تعكس هذه الإجابة بؤس وشقاء العالم العربي؟ جميع من ق ابلهم معدو التقارير شهدوا عملية قطع رأس واحدة على الأقل أو عقوبة وحشية أخرى. النساء مجبرات على ارتداء النقاب ولكن يمكن فوق ذلك أن يتعرضن للجلد في حال خرجن من منازلهن دون «محرم». كما تلازم نساء كثيرات بيوتهن خشية أن يُختطفن ويُجبرن على الزواج من مقاتل أجنبي.

الناس يشعرون كالغرباء في مدينتهم، ولكن البعض يذكر أن الكثير من أصدقائهم وجيرانهم في سوريا والعراق «اختاروا الانضمام إلى داعش ليصبحوا مقاتلين أو مدرسين أو موظفين في هيئاته الحكومية.. لكن معظم الذين يعملون لصالح داعش يفعلون ذلك بدافع الاحتياج المادي، وأن التحول إلى مقاتلين في داعش هو السبيل الوحيد لإعالة أسرهم». ويلاحظ البعض أن أتباع داعش «عدائيون جداً على الدوام ويبدون غاضبين، إنهم هنا من أجل القتال، وليس من أجل الحكم».

مسؤولون في الاستخبارات الفرنسية قالوا إن الجماعات الإرهابية تستقطب أحياناً أشخاصاً يعانون أمراضاً عقلية. وقالت «القبس» الكويتية «إن حوالى عشرة في المئة من المتطرفين الذين تمكنت الاستخبارات الفرنسية من رصدهم منذ يناير الماضي يعانون الشيزوفرانيا، ومعروفون بإصابتهم بانفصام الشخصية». هذا بالنسبة لسلوك «المجانين» و«غير الأسوياء»، ولكن هل «العقلاء» في هذه الجماعة الإرهابية، يتصرفون بشكل أفضل.. وأكثر رحمة؟ يُقال إن هيكل «داعشي» مكون من قيادات وجنود جيش صدام حسين.. فهل جميع هؤلاء يعانون من انفصام الشخصية؟ هل من يفقد الإنسانية والرحمة مختل أو مجنون.. وربما لا يُحاسب؟
&