حسن سلمان

اتهمت أحزاب المعارضة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بخرق الدستور وانشغاله بشؤون حزبية ضيقة في ظل الظروف الدقيقة التي تعيشها البلاد، وطالبت البرلمان بمساءلته، فيما لمح الأمين العام لنداء تونس محسن مرزوق إلى أنه سيتخذ قرارا «موجعا» خلال الأيام المقبلة، في وقت يستمر فيه الانقسام داخل الحزب الحاكم.
وكان قائد السبسي أعلن عن تشكيل هيئة تتألف من 13 عضوا من «نداء تونس»، وتتمثل مهمتهم في السعي إلى التوفيق بين الطرفين المتصارعين (مرزوق وحافظ قائد السبسي (نجل الرئيس) داخل الحزب، و»إذا لم يتوصلوا إلى إيجاد حل فستتم الدعوة إلى مجلس وطني يكون قراره ملزما للجميع».


وأضاف خلال خطاب بثته عدد من القنوات المحلية مساء الأحد «لا وجود لحل آخر صلب النداء ومن يرفض فهو لا يريد التوصل إلى حل ويجب ان تسترجع الحركة (الحزب) توازنها»، مشيرا إلى أن بعض القيادات داخل الحزب لم يفهموا بأنه ملك للجميع وليس خاصا بشخص معين.


وأثار خطاب قائد السبسي موجة من الانتقادات من قبل أحزاب المعارضة وعدد من الناشطين، حيث دعت حركة «الشعب» الرئيس التونسي إلى النأي بمؤسسة الرئاسة عن التجاذبات والصراعات الحزبية «خاصة تلك التي لا علاقة لها بمشاغل واهتمامات التونسيين»، مشيرة إلى أن «التمادي في مثل هذا السلوك اللامسؤول يشكل تهديدا صارخا للتحول الديمقراطي الذي كنا نأمل أن تكون مؤسسة رئاسة الجمهورية حريصة على صيانته وتكريسه».
وطالبت الحركة البرلمان «باعتباره المؤتمن الأول على الدستور»، إلى تحمل مسؤوليته التاريخية في «التصدي لهذا الانحراف الخطير ومساءلة السيد رئيس الجمهورية بشأن تجاوزه لصلاحياته الدستورية وانغماسه في شأن حزبي يفترض أن يكون، بصفته الدستورية، بمنأى عنه بدل أن يتفرغ لمتابعة الوضْعَيْن الأمني والاجتماعي اللذين يزدادان تدهورا يوما بعد يوم».


فيما عبر حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» عن قلقه على مصير البلاد بسبب «الهوة الكبيرة بين مشاغل الرئيس الفئوية الضيقة والمشاغل الوطنية للشعب التونسي (…) وهي بالتأكيد لا تساعد في مواجهة التهديدات الإرهابية، خاصة انه من المفترض بنص الدستور أن الرئيس يختص بما يهم الأمن القومي بشكل أساسي وليس الأوضاع الداخلية للأحزاب».


واعتبر أن «تدخل الرئيس وتجنيد وسائل الإعلام لمسائل حزبية يفتقر للذوق السليم ويضعف هيبة الدولة ومناعتها ويعتبر خرقا فادحا للدستور يعبر عن هشاشة الوضع السياسي في البلاد وضعف القوى الوطنية والديمقراطية وتشتتها»، داعيا إلى «تكاتف وطني يدافع عن مبادئ الدستور ويشحذ الهمم للتصدي لمسار إضعاف مؤسسات الدولة وطغيان المصالح الفئوية الضيقة».
وأكد النائب والقيادي في «الجبهة الشعبية» الجيلاني الهمامي أنه أُصيب بنوع من الصدمة من خطاب قائد السبسي الذي «كان يُنتظر منه طرح مبادرة أو تصور لمعالجة مشاكل البلاد، لكنه خصص جزءا كبيرا منه لحركة نداء تونس وتدخل في شأنها الداخلي».


وانتقد «استهتار» الرئيس بالدستور وبوظيفته كرئيس للدولة، مشيرا إلى أن أحزاب «الجبهة الشعبية» ستتشاور فيما بينها لتقديم موقف موحد من خطاب قائد السبسي.
وعلق الأمين العام لحزب «نداء تونس» محسن مرزوق على خطاب رئيس الجمهورية بقوله «فيما يخص نداء تونس، أعتقد انه حان الوقت بالنسبة لي لاتخاذ قرار قد يكون موجعا، ولكنه ضروري سياسيا ومبدئيا، فلقد تجاوز العفن مداه».
وأضاف «سنتحدث مع المناضلات والمناضلين وعدد من الإخوان في القيادة خلال هذين اليومين ونصارح الرأي العام الوطني في أجل قريب (…) انتصار المشروع الوطني التونسي ضد الاٍرهاب والتطرف ومن أجل الإصلاح والتقدم هما الهدف الذي من أجله خضنا هذه التجربة الحزبية ولأجله نحن مستعدون لإعادة النظر في مواقعنا الحالية، لأنه لا خير في مواقع تبعدنا عن أداء دور مؤثر لخدمة ذلك المشروع».
وكتبت الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة (أم زياد) على صفحتها بموقع «فيسبوك» تعليقا على خطاب قائد السبسي «خرق أحكام الدستور… على المباشر»، وأضافت «الكلام موجه لمحسن مرزوق… كان ممكن يستدعاه ويبلغو هالكلام… ويعفينا من صدمة في دستور تكتب بالدم والتعب وبالمال العام اللي ضاع».


وأضافت «الباجي قائد الثورة المضادة… ماشي في بالو 17 ديسمبر (كانون الأول)، 14 يناير (كانون الثاني) ودم الشهداء والجرحى والدستور قوس وتسكر… وأنها «شرعيتو الانتخابية» تعني اللي البلاد صارت ملكو وملك الصبايحية متاعو (أتباعه)».


وعبر مجموعة النواب الـ31، الذين تراجعلوا مؤخرا عن استقالتهم من «نداء تونس»، عن تفاعلهم «إيجابيا» مع مقترح الرئيس التونسي، مؤكدين أنهم سيعقدون اجتماعا لمناقشة تركيبة لجنة الـ13 التي أعلن عنها قائد السبسي، معتبرين أن 7 من أعضائها محسوبون على شق حافظ قائد السبسي وعضوين آخرين محسوبون على شق محسن مرزوق.


فيما أكد رئيس هيئة الـ13 (التي شكلها قائد السبسي) يوسف الشاهد أن الهيئة لن تعوض مؤسسات الحزب و»لن تنقض عليه، كما يعتقد البعض. فقط ستضع خارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة”.
وأضاف لإذاعة «موزاييك» أن «أعضاء اللجنة اختارهم رئيس الجمهورية نظرا لتوفر الكفاءة والوطنية وروح الاعتدال والقدرة على الخروج بحلول، بغض النظر عن انتمائهم لشقي حافظ قائد السبسي أو محسن مرزوق المختلفين»، مشيرا إلى أن تداعيات أزمة نداء تونس تجاوزت الحزب وبدأت تهدد التوازن في البلاد و»رئيس الجمهورية خاطب (في كلمته) كل التونسيين وأيضا الحزب الحاكم، نظرا للوضع الذي تعيشه تونس وعجز النداء عن الإيفاء بالمهام الموكلة إليه».
ويعيش حزب «نداء تونس» صراعا مستمرا منذ أشهر بين أمينه العام ونائب رئيسه، ويخشى المراقبون أن يؤدي الصراع المستمر إلى انقسام الحزب الحاكم، مشيرين إلى أنه بات يؤثر على أداء الحكومة والوضع السياسي في البلاد.
&