يوسف الديني


نعم يجب أن يتفهم العالم الغربي اليوم بعد نحو عقد ونصف من الفهم الخاطئ لآفة الإرهاب أن السعودية هي الحل، وليست المشكلة، وهذا ليس لأنها تملك حلاً سحريًا خاصًا، بل لأنها أكثر من اكتوت بنار الإرهاب وعانت من نتائجه وتأثيراته السياسية والاجتماعية منذ أن كان بذرة صغيرة على المستوى المحلي (حادثة جهيمان)، إلى أن نما بفعل مكونات خارجية وإهمال دولي ورغبة في التخلص من العدوان السوفياتي (مرحلة أفغانستان) إلى أن بات حالة معولمة مستقلة لا علاقة لها بدين أو مذهب أو آيديولوجيا، وما لم تعد الدول الغربية التي تعاني بين فترة وأخرى من وباء الإرهاب، النظر في تقدير ردات فعلها بعد كل حادثة وما يرافق ذلك من إطلاق سيل التهم والتلميحات من قبل الصحافة سواء اليمينية (طوال الوقت) أو حتى الإعلام المعتدل (عادة بعد كل حادثة إرهابية)، فإن أزمة الإرهاب ستتمدد وتبقى، وسيكون جزءا من اتهام دولة كالمملكة العربية السعودية تعد الأكثر معاناة من هذا الوباء والأكثر فعالية في محاربته وإيقاف الكثير من الهجمات على مستوى الحاضر، بل ولا يمكن تصور حل نهائي وجذري للقضاء على الإرهاب فكرًا وممارسة إلا بدور شاق وكبير من المجتمع الدولي ككل، وفي المقدمة السعودية التي تملك خبرة ونضجًا في هذا الملف يتجاوز الكثير من الدعايات المختلقة من دول ترعى الإرهاب علنًا وتفتح أذرعًا داخل دول أخرى عبر المعارضة السياسية أو حتى الخلايا السرية لتقويض استقرار الدول.


هذه المقدمة لا بد منها بعد أن أزكمت الأنوف تلك الرائحة البغيضة التي تصدر عن بعض الإعلام اللامسؤول في الغرب تجاه مواقف المملكة ومرد هذا الخلط إلى ثلاثة أمور:
محاولة ترحيل المشكلة وتبسيطها كل مرة عبر وضع أي إرهابي منتسب للإسلام إلى سياق الوهابية التي تعني بالضرورة الخطاب الديني السعودي، وهذه مغالطة كبيرة سببها هو الخلط بين الإسلام كدين والحركات الإحيائية في تاريخه، ومنها الوهابية، وبين ما انتسب إلى هذه الحركات وتفرع عنها، وبالتالي يمكن القول إن الوهابية التي باتت شماعة ترحيل المشكلات سواء في بعض الأصوات الغربية أو حتى الأصوات العربية ليست إلا حركة دينية محافظة إحيائية ضمن سياق أكبر ومظلة كبيرة اسمها السلفية، هذه المظلة تضم تحتها ما يربو على أربعين تيارًا من تيار محافظ جدًا يرى ضرورة طاعة السلطات حتى لو كانت غربية في سبيل عدم إحداث الفتنة.


«السلفية المحافظة» وهي التيار الأعرض على مستوى المؤسسات الدينية الرسمية سواء في الخليج أو في عدد من الدول العربية، ولهذا التيار مشايخ وعلماء يمكن أن يلعبوا دورًا كبيرًا في التأثير على الخطاب الديني العام في العالم الإسلامي الذي تعتبر فيه السلفية بمعناها العريض المحافظ الصوت الأقوى إلى أجل غير مسمى، وكل حديث يقفز على هذه المسلّمة سواء من التيار الديني المناقض أو الحركي لأسباب سياسية أو حتى التيارات العلمانية التي تتناول ظاهرة التدين بسطحية شديدة، يعد إضاعة للوقت والجهد.


وعدا السلفية المحافظة هناك الكثير من السلفيات الجهادية والتكفيرية والعلمية والحركية وسلفية المهجر لها محدداتها الخاصة، ووضع كل هؤلاء في سلة واحدة يعني إشعال الحرب تجاه مليار مسلم في مقابل سلوك بضعة آلاف من الموتورين الذين اتخذوا العنف المسلح وسيلة للتغيير لأسباب سياسية، ولكن بغطاء ودافع ديني، فمهما حاولت البحث عن الدافع أو محاولة اتهام مصادر إنتاجه (العلماء والمؤسسات الدينية) فإنه لا يمكن أن تحل المشكلة من دون فهم سياقها السياسي والمجتمع ومن دون الاستعانة بنفس مصادر الخطاب الديني، فليس من المعقول نقض تراث السلفية الممتد لأربعة عشر قرنًا ولو بشكل متخيّل ليس امتدادًا متصلاً كمفاهيم وفكر برجال دين أو علماء ينتمون لتيارات أخرى، على العكس، هذا سيعطي دافعًا عكسيًا تمامًا كما أوضحت كل المواجهات بين الحكومات العربية في السبعينات وبين الحركات الإسلامية المسيّسة، على الغرب أن يدرك أن الشعور بـ«المظلومية» يمكن أن يكون محرّكًا كبيرًا ودافعًا لاعتناق الكثير من الشباب المعتدل دينيًا موجة التطرف.


كنت قد تساءلت سابقًا بعد أن ضربت وحشية الإرهاب أطهر بقاع الأرض المساجد لدى المسلمين: «ما الدولة التي جربت كل أنواع الإرهاب الديني والسياسي والفكري، وجرى استهدافها من كل المجموعات المتطرفة سنيها وشيعيها سواء تلك التي تؤمن بالتغيير الجذري المسلح أو الأخرى التي تحمل مشروعًا انقلابيًا ناعمًا ومتدرجًا؟! أو تلك التي ما زالت تراوح مكانها منتظرة لحظة فاصلة لآيديولوجياتها الفاشلة لكي تعود مجددًا للحياة والتأثير على الأرض»؟!
&