علي إبراهيم

بدا إسقاط القاذفة الروسية «السوخوي» بطائرات «إف 16» التركية، وكأنه بداية صدام بين الدب الروسي الذي اعتبرها طعنة في الظهر، وحلف الناتو باعتبار أنقرة عضوًا أصيلاً فيه. وطوال أسبوع كان التوتر التركي الروسي والملاسنات بين أنقرة وموسكو أشبه بأيام سياسات حافة الهاوية بين الاتحاد السوفياتي السابق الذي ورثته روسيا، والولايات المتحدة في الستينات والسبعينات.


يوميًا هناك تطور جديد، روسيا تريد اعتذارًا، وتركيا ترفض لكنها تريد في نفس الوقت لقاءً مع بوتين. روسيا من جانبها تتخذ كل يوم إجراءات عقابية جديدة بحق تركيا من تقييد زيارة سياحها إلى تركيا إلى حظر استيراد مواد غذائية بينها الزبادي.. وهكذا، وكانت أخطر إشارة هي تسليح قاذفاتها أمس بصواريخ جو جو، وذلك في إشارة إلى أنها قد ترد عسكريًا.


هل يحدث ذلك، وهو ما تترقبه قوى إقليمية ودولية؟ على الأرجح لا. فما يحدث أشبه بحافة الهاوية، من دون أن يكون لأي طرف مصلحة في القفز إلى الهاوية، وأي صدام عسكري سيحرج حلف الناتو، بينما تعرضت روسيا للإحراج فعلاً، وردت عليه بالزبادي، لأنه عمليًا لا توجد مصلحة لروسيا في صدام عسكري فضلاً عن المصالح الاقتصادية بعشرات المليارات من الدولارات، كما لا توجد مصلحة للغرب بزعامة الولايات المتحدة في صدام مع روسيا.


وقد كان من الممكن أن يحدث ذلك في الأزمة الأوكرانية حيث خطوط التماس قريبة، والمصالح الاستراتيجية كبيرة، أما في الأزمة الحالية (السورية) فهي بعيدة آلاف الأميال عن حدود روسيا والولايات المتحدة، التي كانت القيادة الأميركية تقدم رجلاً وتؤخر أخرى في التعامل معها، بما جلب لها انتقادات قوى إقليمية ودولية. صحيح أنها بدأت تنضح، مثل الإناء الذي يغلي، بجيل جديد من الإرهابيين متعطش للقتل العشوائي ويبدو أنه تستهويه رؤية الدم، لكن هذه في جانب كبير منها تحتاج إلى معالجة بوليسية واستخباراتية أكثر منها صدامات استراتيجية.


في واحد من أخطر صدامات الحرب الباردة في الستينات، والذي كان يهدد بمواجهة نووية تفني العالم، كانت هناك 4 أطراف في أزمة خليج الخنازير، هي أميركا وروسيا وكوبا وتركيا، فقد تكشف أن إرسال الصواريخ النووية السوفياتية وقتها إلى كوبا كان بسبب وضع صواريخ أميركية في تركيا، وتراجعت روسيا في اللحظة الأخيرة وأعادت سفنها الحربية التي كانت متوجهة إلى كوبا بعدما حصلت على تطمينات بأنه سيتم سحب الصواريخ الأميركية في وقت لاحق.


وقد تغير العالم كثيرًا عن الستينات والسبعينات بما لا يسمح بمواجهة مباشرة، فضلاً عن أنه لا يوجد ما يستدعي الدخول في صدامات من هذا النوع، فلا توجد مصالح استراتيجية للقوى الدولية لحماية نظام يعرف الجميع أنه آيل للسقوط ويبحث الجميع عن بديل آمن له، من دون السماح لتنظيمات إرهابية بالسيطرة على سوريا.


الأرجح أن تنحصر المواجهة الروسية التركية في العقوبات الاقتصادية فيما يتعلق بالتجارة والتأشيرات والسياحة وما إلى ذلك. صحيح سيتضرر البلدان، فحجم التجارة والاستثمارات المشتركة كبير، لكنّ هناك محللين أشاروا إلى أن المصالح الاقتصادية لم تتحكم في قرارات اتخذت في بلدين مقارنة بأخرى سياسية، فروسيا تسعى أولاً لترسيخ صورتها كقوة عظمى عائدة إلى الساحة الدولية، وتركيا تحكم قيادتها مشاعر العظمة، والفرصة التاريخية للعودة إلى ملء الفراغ والتمدد في الشرق الأوسط.
&