&الأردن يتفكك من اللوبي الجهادي المناصر لجبهة النصرة في سوريا لصالح «التفاهمات» الاستراتيجية مع روسيا


بسام البدارين

&إعلان القيادي في التيار السلفي الجهادي الأردني الشيخ عمر عثمان عن «إختفاء» ولده الأكبر «قتاده» بعد إعتقاله من قبل السلطات المحلية في عمان يوجه ضمنيا رسائل متعددة عندما يتعلق الأمر بالزاوية المختصة في «حلفاء جبهة النصرة» تحديدا في الساحة الأردنية.


هؤلاء مطالبون ضمنيا ومرحليا بإحترام الأولويات الأمنية الأردنية دون الإتكاء على نظرية تفترض التسامح معهم والتشدد في وجه تنظيم الدولة الإسلامية.
لا توجد معلومات محددة وموثقة عن موجبات اعتقال السلفي الشاب قتاده، لكن والده وهو منظر كبير في التيار السلفي الجهادي الأردني خرج مؤخرا من السجن بعدما تم تسليمه من بريطانيا من الأقطاب البارزة المعادية لتنظيم «الدولة» والمؤيدة وسط السلفيين الأردنيين لجبهة النصرة.


بهذا المعنى يصبح إعتقال قتاده الإبن على خلفية نشاطات لها علاقة بالضرورة بملف «الجهاد في سوريا» بمثابة رسالة عابرة لأي تفاهمات ضمنية محتملة مع أنصار جبهة النصرة الكثر في الساحة الأردنية.
قتاده الشاب كانت قد قابلته «القدس العربي» برفقة الشيخ أبو محمد المقدسي العنصر الأبرز في تأييد جبهة النصرة في الساحة الجهادية العربية وتوقيفه مع مطالبة والده والمقدسي في الوقت نفسه بوقف أي نشاطات «دعوية وإرشادية سلفية» مؤشر جديد على ان البوصلة السياسية الأردنية قد لا تسمح في المستقبل القريب بأي نشاط فكري من أي نوع «يعادي» النظام السوري وينطلق من الأراضي الأردنية بغرض حماية التفاهمات الأهم والأكثر حيوية مع اللاعب الأهم في سوريا اليوم وهو الجيش الروسي.
وفقا لمحامي التنظيمات الجهادية موسى العبداللات ما زال التضييق على المجاهدين وإعتقالهم ومطاردتهم وتغليظ العقوبات عليهم جملة رسمية أردنية تجامل النظام الديكتاتوري في دمشق على حساب تطلعات ومواقف الشعب الأردني.
لكن الحسابات السياسية والأمنية الدقيقة للأردن الرسمي قد لا تهتم كثيرا لتذمرات التيار السلفي الجهادي المعتدل قياسا بتنظيم الدولة خصوصا عندما يتعلق الأمر بنشاط داخل الأردن يمكن ان يعكر مزاج التفاهمات الكبيرة التي تتمأسس خلف الأضواء مع موسكو.
بهذا المعنى يصبح الأردن في أقرب نقطة من التعارض مع نشطاء سلفيين كثر في ساحته يؤيدون ويناصرون جبهة النصرة في نسختها السورية لأن المعطيات السياسية والميدانية تغيرت والإنطباع السائد يوحي ان المطلوب مرحليا هو «إنجاح» مهمة «تصنيف المنظمات الإرهابية» في سوريا.


وهي المهمة نفسها التي عهدت بها موسكو للأردن تحديدا وشكلت رافعة للإنعطافة المهمة في العلاقات بين البلدين.
وهي مهمة ستنتهي على الأرجح ببعض التعقيدات وتعيد إنتاج بعض التفاهمات الضمنية غير المباشرة وتبرز على سطح الأحداث فيما تنمو بهدوء وسط النخبة والمؤسسات السياسية والسيادية الأردنية وبدون ضجيج تلك النغمة التي تنطوي ضمنيا على رغبة في «تسريع» خطوات التواصل الاستراتيجي قدر الإمكان مع روسيا في الوقت الذي تتقلص فيه مساحات الأمل في إطالة أمد الرهان على البقاء استراتيجيا في حالة «فراغ» إذا ما واصلت الولايات المتحدة «إخلاء» المنطقة.


قبل التوترات الأخيرة مع انصار جبهة النصرة في الأردن رصد المراقبون بوضوح حالة تزامن غير مسبوقة بين حدثين ومستجدين في المسار الإقليمي، فالعلاقات مع موسكو «تتقدم» بالتوازي مع نمو السيناريو الذي يفترض أن البوصلة الأمريكية تختلف أو في طريقها للإختلاف التدريجي مع معسكر الحلفاء العرب في المنطقة والأردن من أبرزهم.
حلفاء الدولة الأردنية في مصر والإمارات يتواصلون بدورهم مع اللاعب الروسي وإن بدرجات متفاوتة، الأمر الذي يشجع ضمنيا عمان على المضي قدما في حلقات مسلسل التواصل المحسوب مع روسيا.
وما قيل للأردن في السعودية تحديدا وعلى هامش زيارة الملك عبدالله الثاني الأخيرة للرياض أن مشكلة «التعاون» مع روسيا في العراق وسوريا تنحصر في ان المستفيد سيكون «إيران» وهي مسألة يقترح الأردن خلف الستارة والكواليس التعامل معها إنطلاقا من أسس الواقع الموضوعي.
بالنسبة للدوائر العميقة في الأردن يندفع الرئيس عبد الفتاح السيسي لعلاقات استراتيجية وعسكرية تحت عنوان تعزيز منظومة الدفاع المصرية فيما «لا تمانع» أبوظبي كل مؤشرات التناغم مع الموقف الروسي بل وتحرص على إقامة صلات وإتصالات أمنية الطابع.


تلك عوامل مشجعة للإنفتاح أكثر على موسكو أردنيا تتغذى بالتوازي على إستقرار قناعة دول خليجية بأن الأمريكيين «يجازفون» بعلاقاتهم التحالفية مع منظومة دول الخليج ويعملون على «ترك المنطقة» تدريجيا ويعيدون حساباتهم في بإتجاه التركيز على التفاهم مع «إيران».
في الوقت ذاته يتحدث سياسيون كبار في الأردن اليوم عن فائض سياسي يرسم صورة جديدة لطبيعة التحالفات في المنطقة بعد «تراجع ونقص» القيمة الاستراتيجية للنفط لأن أمريكا ستصبح عام 2017 المنتج الأكبر للنفط في العالم.


هذه التأثيرات لا ينفي الأردن صلتها المباشرة بالإيقاعات التي فرضها الإتفاق النووي الأمريكي مع إيران حيث تحدث سياسي بارز من وزن طاهر المصري مبكرا مع «القدس العربي» على ضرورة الإنتباه للتحولات التي يمكن ان تشهدها طبيعة الإصطفافات الجديدة في المنطقة لغاية رسم مصالح الأردن الحيوية وفقا للمستجدات والحفاظ عليها.
المصري توقع مبكرا أيضا ان تعمل طهران – وهذا حقها- على إمتصاص ما يمكنها من عوائد ومكاسب عند توظيف تداعيات الإتفاق النووي معتقدا أن إسرائيل بدورها ستبتز الأمريكيين والعالم وتندفع أكثر نحو مشروعها في تصفية القضية الفلسطينية والمضي قدما نحو «دولة يهودية» في خيارات من الواضح انها تمس في رأي المصري بالمصالح العليا للأردن وليس للشعب الفلسطيني فقط.
المعادلة التي اقترحت داخل اجتماعات تقييمية مغلقة في مجلس الأعيان الأردني تحديدا تدلل على حجم تفاعل نخب المؤسسة مع الإيقاع الروسي المتجدد عسكريا واستراتيجيا في المنطقة حيث رأى سياسيون كبار أن إتقاء شر «الاستثمار الإسرائيلي» ضد خيارات السلام على الأردن يتطلب الحرص على وجود موسكو أكثر وتوريطها في عملية السلام وهو ما دعا له العاهل الأردني علنا عدة مرات.
فجأة برزت ملامح حماس منقطع النظير في الأردن للإنفتاح بصورة أكبر وأسرع على علاقات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية مع روسيا إلى الحد الذي لا يثير قلق واشنطن التي لم يصدر عنها حسب مصدر مطلع جدا حتى اللحظة ما يؤشر على إنزعاجها من تنامي نغمة التنسيق الأمني تحديدا مع موسكو أردنيا.
عدم اعتراض واشنطن يشجع الأردنيين على الأقل حتى الآن على التجاوب مع سعي موسكو لإقامة مقر إستخباري شامل بعنوان مكافحة الإرهاب في عمان وإهتمامها بمنح الأردن الأولوية في «تصنيف» المنظمات الإرهابية في سوريا وإعلانها الاستعداد لتقديم مساعدات مالية وعسكرية مجزية وآفاق للإستثمار في الوقت الذي يخشى فيه الأردنيون تراجع حجم المساعدات الأمريكية لهم بعد رحيل باراك أوباما وعودة الجمهوريين للحكم.


بالتوازي من المرجح ان الرسائل المقدمة اليوم لأقطاب التيار الجهادي المقرب من جبهة النصرة في سوريا توحي أن الأحوال قريبا قد تختلف.
&